المغرب العربي والخلاف الخليجي

المغرب العربي والخلاف الخليجي

20 يونيو 2017
+ الخط -
ألقت التوترات الحاصلة في منطقة الخليج العربي بظلها على المشهد السياسي في كامل المنطقة العربية. ومثل كل الأحداث السياسية المؤثرة، تفاوتت المواقف واختلفت التقديرات، بحسب منطق الولاءات والحسابات، فإذا كان طبيعياً أن ينحاز نظام عبد الفتاح السيسي في مصر إلى الحلف الإماراتي السعودي، وهو ما اتجهت إليه جزر القمر، فإن مواقف دول المغرب العربي شكلت، في جانبٍ منها، خيبة أمل فعلية للدبلوماسية السعودية الإماراتية، إذا استثنينا ليبيا، بالنظر إلى غياب دولة فعلية في ترابها الوطني، واكتفاء الحلف الإماراتي السعودي بالتهليل لموقف مليشيات خليفة حفتر المؤيد للقرارات ضد قطر، وهو أمر يمكن تفسيره بيُسر، حيث التبعية التامة التي تبديها مليشيات حفتر العسكرية لدولة الإمارات التي تدعمها سياسيا وعسكريا، وتوظفها مخلب قط في تخريب المشهد الليبي، وإفساد أي مبادرة للمصالحة الوطنية. كما أن الموقف الموريتاني كان متوقعا، نظرا لهامشية النظام السياسي المهيمن عليها، ورغبته في إسداء خدمة للأطراف الخليجية التي يستمد منها دعمه السياسي والمالي، على الرغم من الموقف الشعبي الموريتاني الرافض انحياز نظامه. أما مواقف تونس والجزائر والمغرب فقد جاءت متقاربة، على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية فيها، فقد أعلنت في بيانات وزارات الخارجية لديها عن موقف الحياد الإيجابي، بشكل يكشف عن مدى استقلالية قرارها تجاه ما يجري في الخليج العربي، وعدم التورّط في لعبة الأحلاف والمزايدات السياسة الفاقدة أي مبرر عقلاني.
قال وزير الخارجية التونسية، خميس الجهيناوي، إن بلاده تأمل تجاوز الخلافات في الخليج، وأن يتوصل الإخوان في الخليج إلى حل يرضي جميع الأطراف، "فلا نريد مزيدا من التفرقة". وعلى الرغم من محاولة الإمارات ممارسة ضغوط من أجل تعديل الموقف التونسي، إلا أن صانع القرار التونسي حافظ على موقفه، بالنظر إلى غياب المبررات الفعلية التي تجعل من حصار قطر فعلا سياسيا يستحق الدعم أو التأييد. ويمكن أن نضيف إلى هذا أن المزاج العام في تونس لا يميل كثيرا إلى السياسات الرسمية للسعودية والإمارات، ويعتبر مواقفهما المتخاذلة تجاه محاصرة قطاع غزة، بالإضافة إلى استضافتهما رموز النظام السابق، وخصوصا منح اللجوء للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، المطلوب للعدالة التونسية على خلفية قضايا قتل وفساد، تجعل لأي موقف للحكومة، ومن ورائها الائتلاف الحزبي المؤيد لها، استتباعاته على المستوى الشعبي، وسيكون محددا في أي انتخابات مقبلة.

وجاء بيان الخارجية الجزائرية مؤكّدا على ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف، لافتة إلى أن "مجمل الدول دعت البلدان المعنية بانتهاج الحوار سبيلاً وحيداً لتسوية خلافاتهم التي يمكنها، بطبيعة الحال، أن تؤثر على العلاقات بين الدول". وهو موقفٌ يتساوق مع السياسة الجزائرية العامة في مواقفها من الأزمات العربية المختلفة، حيث لم تكن الجزائر طرفا منحازا في أي صراع إقليمي في المنطقة العربية، بداية من موقفها المحايد في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وصولا إلى رفضها أي تدخل دولي في الأزمة بين الفرقاء الليبيين حاليا. والمعروف أن الجزائر ترفض الانسياق وراء المهاترات السياسية بين الدول العربية، لاعتقادها أن في وسعها لعب دور الوسيط، أو على الأقل الحفاظ على علاقة متوازنة مع جميع الأطراف. وبقيت المفاجأة التي ربما لم يتوقعها الحلف الإماراتي السعودي في الموقف المغربي، بالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين دول الخليج والمملكة المغربية التي كانت دوما سندا قويا للمواقف السعودية، سواء في أثناء حرب الخليج الثانية وصولا إلى مشاركتها في عملية عاصفة الحزم في اليمن. وجاء الموقف المغربي تعبيرا عن حساب ذكي للمصلحة، برفضه، من جهة، الانسياق وراء التحشيد الإماراتي السعودي، وفي الوقت نفسه، تأكيده على متانة العلاقة مع كل الأشقاء، فالموقف المغربي يتصف بخصوصية، من جهة كونه لا يرغب في إفساد علاقاته مع الدول الخليجية الحليفة، لكن هذا لم يمنع الرباط من إعلان البقاء على الحياد الإيجابي، وإرسال مساعدات غذائية إلى قطر، في مبادرة رمزية، تكشف عن عدم تصديقه مبرّرات التحالف الإماراتي السعودي في سعيه إلى محاصرة قطر وعزلها.
وثمّة دور الدبلوماسية القطرية النشيطة في تطوير العلاقات مع دول المغرب العربي، والاستفادة من التعاطف الشعبي الواسع، باعتبار سياسات قطر الداعمة للمقاومة الفلسطينية، وحفاظها على مسافة في علاقاتها مع الدول العربية، بعيدا عن منطق الهيمنة والتبعية التي تحاول السعودية أو الإمارات فرضها في تعاملها مع باقي الدول، فهناك فرق بين الخلاف الناجم عن تباين في التقديرات السياسية والدعوة إلى مقاطعة دولة عربية ومحاصرتها، لا لشيء إلا من أجل تجسيم رغبة مَرَضية لدى أصحابها ممن يرون أنفسهم أوصياء على المنطقة، ويتصرّفون بمنطق الوكيل الحصري لنفوذ وحيد القرن الأميركي وتمرير سياساته قسرا في المنطقة. وتبقى السياسة ممارسة تقوم على المصالح المتبادلة مع الحفاظ على الاستقلالية، ورفض فرض الخيارات، خصوصا إذا كانت لا تنبع من مصلحة قومية، وإنما هي تجسيد لطموحات شخصية لأصحابها قد تبلغ درجة السلوك الصبياني الأهوج.

دلالات

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.