التنسيق الاقتصادي "المقدس"

التنسيق الاقتصادي "المقدس"

20 يونيو 2017
+ الخط -
يوما بعد يوم، تتكشّف فصول الأزمة في منطقة الخليج لتتعدى في أبعادها موضوع الخلاف القطري مع السعودية والإمارات، لتطال المستهدف الفعلي والحقيقي، وهي المقاومة الفلسطينيّة، والتي تمثل العقبة الأساسيّة أمام مشروع كيان الاحتلال الإسرائيلي الأميركي في المنطقة، لفرض التسوية على الفلسطينيّين، في سبيل إنهاء الملف الفلسطيني "المزعج"، تمهيداً للتفرّغ للملف الإيراني كما يأمل بعض العرب، عبر حلف أميركي إسرائيلي عربي "سني".
وإن كان هنالك خلاف حول من يريد إسقاط إيران أكثر، كيان الاحتلال الإسرائيلي أم العرب، فمن الوضوح أن توّجه الإدارة الأميركية الجديدة تضع نصب عينيها استغلال الأوضاع في المنطقة لصالح الاحتلال الإسرائيلي، لجهة تجفيف الينابيع الماليّة للمقاومة الفلسطينيّة، وهي تهمة وجهت لدولة قطر بدعم حركة حماس، وهذا ما عبّرت عنه مقالة في مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بعنوان "خيارات الولايات المتحدة في ظل أزمة قطر"، موصية بتركيز الجهود الدبلوماسيّة الأميركيّة على تقييد الدعم القطري للجهات الفاعلة "الإقليميّة الخطرة"، في مقابل مكافأة قطر بتطمينات أمنيّة. تتقاطع هذه التوصيات مع الأحلام الإسرائيليّة الداعية إلى الاستفادة من التوجّه الجديد في الخليج، والتعويل على المصالحة مستقبلا، في سبيل وحدة الهدف، كما ينادي يعقوب عمدرور من مركز بيغن السادات، مع تنبيه الباحث سايمون أندرسون من مركز واشنطن على ضرورة حل الخلافات، حتى لا تستفيد إيران من هذا المشهد.
تتناقض هذه الرؤى والأفكار الأميركية الإسرائيلية من مراكز التفكير الداعية إلى رأب الصدع الخليجي وتفويت الفرصة على إيران، تماماً على المستوى السياسي، مع ما تم تحضيره في أروقة الكونغرس الأميركي من زمن قريب، فقد نشر موقع الكونغرس مشروع قانونٍ في 25 مايو/ أيار الماضي تحت عنوانين أساسيين، "الدعم الدولي المقدّم للإرهاب الفلسطيني"،
وفرض عقوبات على داعمي حركتي حماس والجهاد الإسلامي "الإرهابيتين" بعقوبات لكل من يدعمهما من أفراد ومؤسسات، ومن ينضوي تحت لوائهما من أفرادٍ وكيانات، متناولا دور قطر بتهمة "دعم الإرهاب" عبر دعم حماس "الإرهابية".
يهدف هذا المشروع الذي ينتظر المناقشة والإقرار، بالدرجة الأولى، إلى تشديد الخناق على المقاومة الفلسطينية، بمستوييه العربي والدولي، وتحديداً جناحي المقاومة الإسلامية في قطاع غزة (حماس والجهاد الإسلامي) الرافضين الاعتراف بكيان الاحتلال، واللذين يشكلان عقبة كأداء أمام تحقيق وفرض مشروع التسوية، وصولاً إلى إسقاطهما شعبياً، فكان لا بد من تنسيق اقتصادي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ترعاه الولايات المتحدة، للإطباق على غزة حصاراً، وهذه المرة بالكهرباء ولقمة العيش.
نشرت صحيفة معاريف مقالا للنائب في الكنيست، كسانيا سبتلوفا، اعتبرت فيه أنّه ليس هناك أفضل من هذا الوقت لتشديد الضغط على المقاومة في غزة، فقبل الحديث عن مفاوضاتٍ يجب حل معادلة غزة في ظل التقارب العربي الإسرائيلي، يشاركها في الرأي الباحث، آريه هاستن، من معهد بحوث الأمن القومي لجامعة تل أبيب، متحدّثاً في التقدير الاستراتيجي عن "ازدياد دفء العلاقات بين إسرائيل والدول الكبرى الإقليمية".
من هنا، نفهم لماذا قوبل طلب عباس من حكومة نتنياهو بالترحاب بتقليص عدد ساعات الكهرباء في قطاع غزة التي تتراوح حاليا بين أربع ساعات وصل، واثنتي عشرة ساعة قطع، لتتقلص إلى ثلاث ساعات وفي مناطق إلى ساعة واحدة.
وعلى الرغم من تحذير محللين عديدين في الصحافة الإسرائيليّة من دفع ثمن اندلاع مواجهة مع المقاومة في غزة جرّاء هذا القطع، إلا أنّ نتنياهو التف حول هذه المخاطر، بتنبيه وزرائه بمنع التصريحات حول يد إسرئيل بتخفيض الكهرباء في غزة، ووضعها في إطار الخلاف الفلسطيني الفلسطيني.
واضحٌ جدا أنّ التنسيق الاقتصادي الإسرائيلي الأميركي مع السلطة الفلسطينية بدأت تتتابع فصوله تطبيقا، وآخر ما صرح به، في هذا الإطار، وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في جلسة مناقشة علنية في الكونغرس، فقد نقل عن عباس موافقته على قطع مخصصات ذوي الأسرى والشهداء، تزامن ذلك مع إقرار الكنيست بالقراءة الأولى خصم تلك المخصصات من العوائد الضريبية التي يجمعها الاحتلال للسلطة الفلسطينيّة، سبقها خصم رواتب الموظفين في القطاع، فهل سوف تحمي السلطة نفسها متذرعةً بالنقص المالي، والضغط الأميركي لتقطع الرواتب كليا؟
يعود هذا المشهدبنا بالذاكرة إلى أحداث العام 2007 وما شهده من ضغوط على السلطة الفلسطينية، فقبيل فوز حركة حماس بصدارة المقاعد في المجلس التشريعي، وتشكيل حكومة برئاسة إسماعيل هنيّة، توالت الضغوط الإسرائيلية والأميركية على السلطة الفلسطينيّة، لتنتهي فصول الأزمة بالطلاق، وفشل أكثر من 27 لقاء بين حركتي حماس وفتح لرأب الصدع منذ ذلك العام، الذي تتنازعه ملفاتٌ عديدة، في مقدمتها ملف التنسيق الأمني "المقدس" بين السلطة والاحتلال، والذي بموجبه تعتقل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة المناضلين الفلسطينيين، والتي لن يزيدها التنسيق الاقتصادي إلا تعقيدا، فهل سيصبح "مقدّسا"؟
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)