القانون الجنائي والحراك المغربي

القانون الجنائي والحراك المغربي

17 يونيو 2017
+ الخط -
عرف الحراك الذي تشهده منطقة الريف في المغرب تذبدبا في حدّته، منذ اندلاع الاحتجاجات في مدينة الحسيمة، سواء على مستوى الأشكال الاحتجاجية التي يتبعها، أو درجة التطرف في المواقف التي يعلن عنها، أو تأثيره على الأجندة السياسية للمستهدفين، إلى أن وصلت الأمور إلى اعتقال القادة الشباب للحراك، وفي مقدمتهم ناصر الزفزافي، رمز الحراك وقائده الميداني.
والمعروف أنّه خلال الحركات الاحتجاجية التي تعرفها ميادين الدول غير الديمقراطية وشوارعها، وحده القانون الجنائي من يبرز لمنازلة قيادة الحركة ومشروعها، لأنهما العنصران اللذان يطبعان هوية الحركة. وبالتالي، لا يمكن أن يعني التركيز على الأشخاص الطبيعيين الذين يقودون الحركة، ومعاقبتهم جنائياً، سوى أنّ المستهدف بالاحتجاج لا يملك جواباً على مشروعه، وأنّ غياب الجواب لا يمكنه أن يستمر طويلاً، وبالتالي، تقتضي ضرورة التحرّك البدء بالحل الموجود في انتظار أن تنضج باقي الحلول. لذلك، تعطى الأوامر الأولى بضرب كلّ متحرك، وتكييف كلّ الأفعال من داخل القوانين الزجرية.
لكن، ثمّة ميزة فريدة للقانون الجنائي، عندما يواجه الحركات الاحتجاجية، هي أنه يحتكر الأجوبة، ويحجب كلّ المقاربات الأخرى، أي أنه يريد الاستفراد بالحل، يريد الاستفادة لأكبر مدة ممكنة من غياب الحلول الأخرى.
القانون الجنائي واع بأن من لجأ إليه لمبارزة الحركة الاجتماعية لجأ إليه مكرها، لا يملك إبداعات في الموضوع. ومن هنا، كان اعتقال ناصر الزفزافي، ومن معه، عنوانا عن افتقاد الدولة (في الوقت الراهن) حلولاً مبدعة، تجعل سكان الريف أكثر هدوءا وثقة.
حمّل القانون الجنائي الذي أنطقه بيان الوكيل العام في الحسيمة الزفزافي تهمة عرقلة حرية العبادة وتعطيلها، لأن القانون لا يعرف أنّ الاحتجاج من صميم العبادة، وأنّ ما وقع بين خطيب الجمعة والزفزافي توترٌ ناتج عن اختلاف في الفهم لمقاصد الاحتجاج، بين شباب يرى نفسه ينتمي إلى خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (أي تحتج عليه) وخطيب يتلو ما أوحي إليه من وزارة الأوقاف، على أنّ الاحتجاج فتنة، والفتنة أشد من القتل.
كانت هذه النازلة هفوةً للشباب، إذ كيف لمن ترفّع عن الحديث لسبع وزراء ووالي الجهة ومنتخبيها، أن ينتفض في وجه رجل بسيط، صدّق أنه جاء لتجديد الخطاب الديني، في مقابل دريهمات معدودة، فهل يعرف شباب الحراك كم يتقاضى ذلك الخطيب مقابل وظيفته؟ هل نسي الشباب النضال الذي خاضه أئمة المساجد، من أجل رفع الذل عنهم؟ وبالتالي، كان من المفيد (في وقته) التنازل عن شعيرة الاحتجاج وتفويت الفرصة على الوكيل العام والقانون الجنائي، وكل من تقع وسائل العنف الشرعي تحت إمرته.
يعتبر القانون الجنائي الاحتجاج المشكلة الوحيدة، وأما أسبابه ودوافعه فهي من اختصاص الآخر. لذلك، ينزعج من كل المحاولات التي تبرز سلمية الاحتجاج وتحضره. والوكيل العام في الحسيمة لم يثن على الشباب الذي حموا الممتلكات العامة والخاصة، ولا على الزفزافي، حينما قال "السلمية ثم السلمية". القانون الجنائي لا يتحدث إلا عن المجرمين، يميز بينهم، يعاقبهم، ينصفهم ويظلمهم، ولا شأن له بمن جعلهم مجرمين، ولا بضحاياهم.
كان للقانون الجنائي في منطقة الريف الكثير مما يقدّمه لتجنب الاحتجاجات، لو أنه فتح تحقيقاً نزيهاً فيما تعرّض له مستشفى السرطان من نهب، أو حارب تجار المخدرات ومفسدي السياسة والاقتصاد، أو كشف عن ملابسات احتراق الشباب الخمسة في فبراير/ شباط 2011، ونفس الشيء بالنسبة لمقتل محسن فكري.
ازداد تعاطف المغاربة مع حراك الريف، بعد انتشار الصور والفيديوهات التي توثق الطريقة الاستعراضية التي تم بها اعتقال الشباب الريفي، كما كشفت الصور المسرّبة عن الحياة الخاصة لبعض منهم، عن حجم الإحباط الذي راكمته أجهزة إنفاذ القانون خلال الشهور التي مضت من الحراك. ونتيجة ذلك، أصبحت هذه الأجهزة مطالبةً بترشيد أكبر للعنف الذي توّزعه بين احتجاجات الريف وأكثر من 20 مدينة خارج الريف. لهذا نقول عن القانون الجنائي إنه أعمى وأناني.
أخيرا، لا يمكن إغفال دور الفاعل السياسي في صياغة القانون الجنائي، صاغ رجل السياسة القانون الجنائي ليختبئ خلفه في وقت الشدة، كما وزع القائمون على تنفيذه، وفق علاقات سلطوية، تحتفظ له بالهيمنة والمناورة. وهنا، يمكن للقارئ أن يفهم استماتة الأنظمة القمعية في مناهضة استقلال القضاء، ويمكن أن يتفهم بطء القانون في ملاحقة الفساد السياسي، وعجزه عن استرداد المال العام المنهوب، وتفكيك خلايا الرشوة والمحسوبية المتخصصة في الصفقات العمومية.
A49D13BF-46C8-47D1-BFB0-75C4A8908F5B
A49D13BF-46C8-47D1-BFB0-75C4A8908F5B
توفيق سلمون (المغرب)
توفيق سلمون (المغرب)