خطأ مطبعي

خطأ مطبعي

14 يونيو 2017

(تصميم العربي الجديد)

+ الخط -
أصبحت وسيلة الحصول على الوصفات والأكلات في متناول اليد، أو بالأدق أطراف الأصابع، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعد الزوجة الحديثة العهد بالزواج بحاجة للاحتفاظ بدفترٍ ضخم مثني ومصفرّ الأوراق، وتحمله معها إلى بيت الزّوجية، ضمن متاعها وجهازها، ويحتوي على وصفات الطبخ المختلفة التي تعلّمتها على مدار سني عمرها على يد أمّها، لم يعد هذا الدفتر موجوداً، لأنّ الزّوجات الجديدات أصبحن يحصلن على وصفات جديدة من خلال أصابعهن الرقيقة التي تتنقل بين صفحات "فيسبوك"، ولم تعد بحاجة للاتصال بالأمّ في كلّ حين، لاستشارتها، أو حتى لكي تُملي عليها طريقة إعداد صنف ما خطوة بخطوة، وما يستهلك ذلك من فاتورة هاتف ضخمة.
أصبحت مواقع التوصل الاجتماعي اليوم، مثل "فيسبوك"، تمتلئ بصفحات الطبخ. لذلك، تعتقد الزّوجات الحديثات أو الزّوجات الباحثات عن التجديد ليملأن بطون أزواجهنّ أنّ الحصول على وصفةٍ جديدةٍ أسهل مما يتخيّلن، ويفعلن ذلك وهنّ يعتقدن بأن أقصر طريق لقلب الرجل معدته. ولكن، ماذا لو وقعت إحداهنّ ضحية خطأ مطبعي؟
مما أتذكر من الطفولة أنّنا كنّا نتابع مسلسلاً فكاهياً يعرض في الفترة المخصّصة للبرامج العربية على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، وكان من ضمن إحدى حلقاته المنفصلة المتصلة أن شقيقين يحاولان إعداد قالب من الكيك في غياب الأمّ، ويكتشفان أنّها تسجّل كلّ وصفاتها على أشرطة كاسيت من الطراز القديم، وهكذا دسّ أحدهما الشريط في جهاز التسجيل، وبدأ يتتبع الخطوات التي تضمّنت بيضةً وكوباً من الدّقيق، وظل يكسر البيض ويضيف الدقيق في وعاء كبير ساعة، قبل أن يكتشف شقيقه الآخر أن عطباً أصاب الشريط، ما جعله لا يكرر سوى عبارة: أضف بيضة وكوباً من الدقيق، وضحكنا حتى انقلبنا على ظهورنا على مشهد الأم التي عادت إلى البيت لتتعثر بتلال مكدّسة من صناديق البيض الفارغة وقشوره، وتقع أرضاً.
بعد تلك الحلقة من البرنامج الفكاهي، صرت حريصةً كي لا أقع في خطأ مطبعي، وأنا أعدّ وصفة من أحد كتب الطبخ التي كنت أحرص على شرائها، واستبدلتها بصفحات "فيسبوك" التي تحمل عناوين جذّابة تستدرّ اللعاب وتسيله، وهي تعلن عن الطريقة الصحيحة لإعداد المنسف على أصوله، أو إعداد المسخّن الفلسطيني على طريقة الجدّات، مع إضافة اللمسات العصرية لمعايير الجدّة التي كانت تعتمد البركة في المكيال، وتطلق على الحفنة اسم "العرام".
ولكن، من الحوادث المؤسفة أن تتخيّل منظر العائلة الملتفّة حول المائدة، وقد وقعت ضحية خطأ مطبعي، لأنّ الأمّ نقلت الوصفة بحذافيرها، لكنّ خطأ مطبعياً أودى بالوصفة كلها، خصوصا إذا كانت تجرّبها للمرّة الأولى، وهكذا يتغيّر طعم الوصفة كاملاً، وينسحب الأبناء من حول المائدة واحداً تلو الآخر، وقبلهم ينسحب الأب، والشرّر يتطاير من عينيه.
ربما يكون الخطأ المطبعي مضحكاً لو كان بعيداً عن المطبخ، وربما يكلّف صاحبه أن يدفع تعويضاً كبيراً لمن وقع في حقّه هذا الخطأ، مثلما حدث ضمن برنامج الإذاعة المصرية في رمضان قديماً، حيث جاء فيه بعد تحديد الموعد: مونولوجات خفيفة للشيخ محمد رفعت وقرآن كريم لثريا حلمي، فالجريمة ستكون مضاعفةً، ولا تغتفر إذا وقع الخطأ في رمضان، وبعد صيام يوم طويل، فأيّ مغفرةٍ سوف تطلبها الأم من أبنائها، وهي تجرّب وصفة للمرّة الأولى، وقد أضافت مقداراً أو أنقصت آخر. هذا الخطأ الجسيم لن يغفره إلا انسحاب الأم من جروبات الطبخ، أو حتى إلغاء حسابها على "فيسبوك"، فهي فعلت مثل العروس التي تضمر في نفسها ألا تتوقف عن الرقص يوم زفافها ولو دقائق لتبهر عريسها والمدعوين وتغيظ صويحباتها، ولكن نداء الطبيعة يرغمها على مغادرة "الكوشة" فيفشل مخططها. ومخططات الزّوجات فيما يخص موائد الإفطار الرمضانية تكون رائعةً في خيالهنّ، ولا يفسدها إلا الأخطاء المطبعية، وقانا الله منها.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.