تداعيات تفكيك الصفّ الخليجي

تداعيات تفكيك الصفّ الخليجي

14 يونيو 2017
+ الخط -
تشهد دول الخليج العربي أزمة غير مسبوقة، عقب إقدام ثلاث دول من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، الإمارات والسعودية والبحرين، على إغلاق مجالها الجوّي وحدودها البرّية مع دولة قطر، وقطع علاقاتها الدبلوماسيّة والاقتصادية معها، بسبب مسائل خلافيّة، ورغبة الدول المقاطعة في التأثير على سياسات الدوحة الداخلية والخارجية. وتُنذر الأزمة الحالية بتفكيك الصفّ الخليجي، وتحمل طيَّها تداعياتٍ اقتصادية، واجتماعيّة، وحقوقية، وأمنية عديدة. فمن الناحية الاقتصادية تؤثّر الأزمة الخليجية على مختلف الأطراف، فالإمارات ومصر مثلاً تعتمدان، بدرجة كبيرة، على واردات الغاز من قطر، حتّى أنّ القاهرة تستورد ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي المُسال الذي يوفر حاجيات البلاد من الكهرباء من شركاتٍ دوليةٍ وسيطةٍ، تتعامل مع الدوحة. وتستورد الإمارات ما يُقدّر بـ 1.8 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز القطري، عبر خط أنابيب دولفين. ومعلوم أنّ استبدال الإمدادات القطرية من الغاز الطبيعي المسال يكلّف غالياً، ويمكن أن يؤدّي إلى ارتفاع جنوني في أسعار الطّاقة في المنطقة والعالم. كما تستورد قطر 40٪ من حاجياتها الغذائية، ومعظم لوازم إقامة المنشآت والمقاولات عبر المنفذ البرّي مع السعودية، وسياسة الحصار ستؤثّر سلباً على المصدّرين الخليجيين، وعلى المستثمرين الأجانب في البلاد لا محالة. كما أنّ غلق المجال الجوّي في وجه الدوحة يُربك حركة الطيران في المنطقة، ويجعل دول الخليج تخسر عائدات عبور الطائرات القطرية عبر سمائها، ويزيد من معاناة المسافرين عموماً والخليجيين خصوصاً. وفي المقابل، تستفيد إيران وتركيا من الوضع الحالي، بتعزيز كلّ منهما أرباحه الاقتصادية، عبر تزويد السوق الاستهلاكية القطرية بحاجياتها من الموادّ الغذائية والتجهيزات الآلية وغيرها، في غيْبة المزوّد الخليجي أو تراجع حضوره. وفي السياق نفسه، يُفيد مراقبون بأنّ منع الخطوط الجوية القطرية من التحليق أو الهبوط في العربية السعودية سيزيد من استخدامها الأجواء الإيرانية، بنسبة تصل إلى 20٪، ما يعني تعظيم مداخيل طهران من عوائد العبور الجوّي القطري. كما تستفيد مصر نسبيّاً من تفكّك الصّف الخليجي، باغتنامها الفرصة لاستعادة علاقاتها الاقتصادية والسياسية المتينة مع السعودية، بعد ما شهدته من فتور عقب "تسريبات الرّز" الشهيرة.
وفي خصوص الجانب الاجتماعي/ الحقوقي، تصل بين الخليجيين روابط الحجر والبشر، 
والعادات والتقاليد، وامتدادات الأسرة والقبيلة والعشيرة، واللهجة والدّين، وعلائق العمل والدّراسة، والاستثمار والتّجارة، والقرابة والمصاهرة. وإعلان دول خليجية مقاطعة قطر ينذر بفكّ عُرى اللّحمة المجتمعية الخليجية، ويورث إحساساً بالضيم والاحتقان والتوتّر، خصوصاً بالنسبة إلى الذين تعطّلت مصالحهم، وتشتّت أسرهم، وتوقّف مشوارهم الدراسي أو المهني، بسبب قرار الحصار المفاجئ وغير المسبوق. ولذلك استتباعات خطيرة، تتعلّق بانتهاك حقوق المواطنين في الاستقرار والسفر والتزاور، والتملّك والتعلّم والاستثمار والعمل. وفي هذا الخصوص، نبّه المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان إلى "أنّ 6474 أُسرة سوف تتأثر بسبب قرار الحظر، لحمل أحد الأبوين الجنسية القطرية، مع حمل الآخر جنسية إحدى الدول الخليجية الثلاث، ما يعطي أحدهما الحق في البقاء في البلاد، فيما يُجبر الآخر على مغادرتها، ويتشتت الأطفال بينهما.. ويجد 1954 موظفاً وعاملاً في القطاعين، الحكومي والخاص في قطر، من ذوي الجنسية السعودية أو الإماراتية أو البحرينية أنفسهم مجبرين على الاستقالة، وترك عملهم في غضون أيام، بموجب قرار قطع العلاقات، ما يؤثر جوهرياً على حقوقهم". وينطبق الأمر نفسه على مئاتٍ آخرين، يملكون شركات ومصالح تجارية في قطر، حيث سيُكلّفهم هذا القرار خسائر، بسبب غيابهم القسري وإخلالهم بالتزامات تجارية. ولن يتمكن 706 من الطلاب الخليجيين الدارسين في قطر من البلدان التي قطعت علاقاتها بالدوحة من إتمام دراستهم الجامعية، خصوصاً في ظل قرار تلك الدول فرض عقوباتٍ بالسجن والغرامة المالية على مواطنيها الذين قد يزورون دولة قطر، أو يبقون فيها خلافاً للحظر. وسيضطرّ طلاب قطريون في جامعات السعودية والبحرين والإمارات إلى إلغاء تسجيلهم فيها، لأنّهم ممنوعون من البقاء في البلاد التي يدرسون فيها. وبذلك، التداعيات الحقوقية لفكّ الارتباط بالدوحة جسيمة، ولا تخدم الاجتماع الخليجي عامّة، ومع أنّ قطع العلاقات الدبلوماسية خيار سيادي، فإنّه يفترض تجنيب المواطنين مساوئ المقاطعة، وتفادي الإخلال بحقوقهم العامّة والخاصّة، لأنّهم لا يتحمّلون، بأيّ حال، تبعات الخلافات السياسية بين الدّول المعنيّة.
على الصعيد الأمني/ العسكري، تعزّز حالة الانشقاق المشهودة في الصفّ الخليجي هواجس
التوتّر والرّيبة بين الأشقّاء، وتدفع إلى مزيد من التسابق على التسلّح، على حساب تحقيق التنمية الدّاخلية الشّاملة، وتؤثّر سلباً على أداء دول مجلس التعاون الخليجي في العمليات العسكرية الهادفة إلى إعادة الشرعية في اليمن، ومواجهة التمرّد الحوثي والتمدّد الإيراني في المنطقة، وتجعل حضور الكتلة الخليجية باهتاً في مستوى التأثير على مفاوضات الانتقال السياسي في سورية بين النظام الحاكم والمعارضة. كما تُربك جهود التحالف الإسلامي/ السنّي لمكافحة التطرّف، وجهود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتّحدة الأميركية.
يمكن القول، بناء على ما تقدّم، إنّ انفراط عقد المنظومة الخليجية لن يكون في خدمة الصالح الخليجي والعربي. بل ستكون له تداعيات خطيرة على شعوب المنطقة، وسيزيد من مطامع قوى إقليمية للتدخّل في الشأن الخليجي. ويفترض استثمار سياسة ضبط النفس القطرية، والدّبلوماسيّة الكويتية البنّاءة في تجميع الفرقاء حول طاولة الحوار قصد التوصّل إلى حلول توافقية عقلانية مستدامة للأزمة الراهنة، تجنّب الخليج العربي ويلات الاضطراب والقطيعة وعواقب التّصعيد الوخيمة، وتوفّر لشعوب المنطقة مزيداً من فرص التعاون والتقارب، والازدهار والاستقرار.
511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.