تحولات عربية

تحولات عربية

13 يونيو 2017
+ الخط -
أظهرت ثورات ما اصطلح على تسميته الربيع العربي معطيات كانت خافية أو مستترة، فضلاً عن إماطتها اللثام عن حقائق عديدة لا تقبل التشكيك ولا الإنكار. فمن جهة، وهذا ما شدّ ولا يزال يشد انتباه كثيرين في العالم العربي وسائر العالم، ظهرت نوايا أشباه الزعماء السياسيين الذين لم يقدّموا البديل، وعجزوا عن تحسين الأوضاع المأزومة في تونس ومصر.
تبدّدت أحلام الثائرين في مقابل سطوع نجوم الراكبين على موجة الثورة، وتمّ تغليب الفئوي والمصالح الشخصية على الوطني، لتزيد الأوضاع سوءاً في ظلّ احتقان اجتماعي بلغ ذروته مرفوقاً بعجز اقتصادي زاد الأمور وعورة. فعلاوة عن الحروب المستعرة في دول عربية عديدة على غرار سورية واليمن والعراق، بدت اللعبة واضحة للعيان، بحكم أنّها لا تحتمل تفسيراً إضافياً. لا أحد يستجيب لمطالب الشباب الذي مثّل وقود الثورات، لكنه لم يجن سوى الويلات والوعود الزائفة. فالمشاريع التي كان بالإمكان الانطلاق في إنجازها لم تر النور، بل تمّ التخلّي عن عديد الأفكار المبدعة.
فشلت الحكومات المتعاقبة على دول الربيع العربي في تحقيق المراد بشتى الطرق، فهي لم تتعظ من أخطاء سابقاتها بل كرّرتها كما لم تحاول مراجعة السياسات الفاشلة والعقيمة، لتكرّسها من جديد في انتظار أن تأتي بالجديد. ولكن، من الغباء أن تترقب حكومة هشّة نتيجة مغايرة في ظلّ انتهاجها السياسات ذاتها، لا سيما وأنّ هذه السياسات باءت بالفشل وقوبلت بالرفض، ولكن.
لم نسمع إلا عبارات الإدانة عقب كلّ عملية إرهابية جبانة، ولم نر سوى الاستنكار والشجب، على الرغم من أنّ هذه الأساليب لم تعد مجدية، بل هي مجرّد ردود أفعال، تؤكد انفصال من يسلكها عن الواقع المعاش. الكلّ يتحدث عن ضرورة محاربة آفة الفساد المستشري يوماً بعد يوم، والجميع مستعد لمجابهة ضريبة الحرب على الفساد، لأنّ من يعتقد أنّ هذه المهمة في متناول الدولة، إذا ما توّفرت العزيمة والرغبة في الإصلاح فقط فهو واهم. فالفساد ليس وليد اليوم، أو أنه حديث الظهور والنشأة، وإنّما هو ينخر الدولة منذ زمن بعيد ورموزه في فسحة. كما يتمتعون بكامل صلاحياتهم، ويمارسون غيهم بلا رقابة. وبالتالي، يتطلب الدخول في معركة شرسة من هذا القبيل آليات استثنائية وخطة استراتيجية محكمة حتى تحقّق النتائج الملموسة والمرجوة.
لم تعد البلاد تحتمل مزيداً من التوتر، باعتبار أنّ مراقبين عديدين للشأن العام عن قرب يحذرون من قيام ثورة جياع تهدم كلّ ما تم بناؤه، كما قد تنسف الأخضر واليابس. كما يرى محللون أنّ الأجواء السائدة في بلدان الربيع العربي بمثابة القنابل الموقوتة القابلة للانفجار في أيّ لحظة، بالنظر إلى حالة الغليان التي يعيش الشعب على وقعها، وتوّسع رقعة الاحتجاجات في عدة مناطق. لم يعد الوقت اليوم كافياً لمزيد من المناورات والتجاذبات المقيتة وتصفية الحسابات. لا داعي للتكتم على الحقائق البادية للقاصي والداني، فمن غير المنطقي أن تراوح الأمور مكانها في كل من تونس ومصر، حتى أنّنا أشبه بمن يدور في حلقة مفرغة من السجالات التافهة، وتبادل التهم بين أطراف العمل السياسي بلا أدنى جدوى.
متى يتم الكشف عن الأطراف المتورطة في الفساد، وكل من ساهم من قريب أو من بعيد في عرقلة عملية الإصلاح أمام الرأي العام، حتى تتم محاكمتها والتصدّي لها. فقد ضاق طيف واسع من الشعوب العربية، وخصوصا منها الفئات المهمشّة والمسحوقة، ذرعا بكل أشكال التراخي والاستهتار التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة على دول الربيع العربي، ما ساهم في صعود تيارات دخيلة عن مجتمعاتنا المسالمة، والتي تنبذ العنف مهما كان منبعه، فالردع بات ضرورياً حتى تعود هيبة الدولة إلى سالف عهدها.
avata
avata
محمد المعالج (تونس)
محمد المعالج (تونس)