رصاصة في قلب العلمانية

رصاصة في قلب العلمانية

07 مايو 2017
+ الخط -
الرئيس الأميركي المثير للجدل والمحرّك لصفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بقراراته وتصرفاته التي تخالف من سبقوه، دونالد الغريب وترامب العجيب، يصدر قراراً من المنتظر أن يدوي صداه العالم، وخصوصا شقه العلماني الذي قامت ثورته العلمانية على مبدأ فصل دينه عن سياسته.
الرئيس الأميركي وقّع على قرار تحت مسمّى حرية التعبير والدين، ومفاده بأنّه تمّ السماح من خلاله لرجال الدين والمؤسسات الدينية بممارسة السياسة، بعدما ظلّوا محرومين منها، حيث تفرض الضرائب في الولايات المتحدة الأميركية على كل رجل دين يفكر بالاشتغال بالسياسة.
لن تقف تداعيات هذا القرار عند البيت الأبيض وحده، فالمتوقع أن يحدث القرار ضجة عالمية وانتفاضة لرجال الدين في الولايات المتحدة الأميركية، فأميركا، حسب دستورها، دولة علمانية، وترفض خلط الدين بالسياسة أو على الأقل تتظاهر بذلك أمام حلفائها الأوروبيين، والذين صدّروا لها ذلك النموذج العلماني الذي بدأ منذ عصر التنوير، وكانت باريس سبّاقة في إبعاد الكنيسة عن الدولة تحت مسمّى اللائكية، ثم تلتها سائر العواصم الأوروبية الأخرى، قبل أن تستورد أميركا الفكرة في خمسينيات القرن الماضي، وتطبّقها من سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من طبيعة المجتمع الأميركي المسيحي المتديّن بطبعه.
يتساءل بعضهم: ماذا لو نجح رجال الدين الأميركيون في الوصول إلى السلطة؟ وملكوا مفتاح البيت الأبيض المؤدّي طبعاً لسيادة العالم؟ بأي وجه ستواجه الولايات المتحدة التيارات الدينية الأخرى؟ وكيف ستقنع باقي العالم بأنّها تقدم نموذجاً ديمقراطياً فريداً تكون السياسة فيه المتحكمة والنافذة ويسمح فيه للجميع بالتعبير عن رأيهم، ويحترم فيه الدين ويقدّس، من دون أن يتدخل في الحكم؟ وكيف سيتلقى أباطرة وفلاسفة العلمانية العربية والأوروبية هذا القرار؟ وكيف يستطيعون الدفاع عنه؟ وقد كان يؤرقهم ما سمّي يوما الإسلام السياسي وتياراته ومعاركه وانقلاباته، بدءاً من عشرية الجزائر السوداء، مروراً بأحزان القاهرة اليوم، وأما القارة العجوز فقد ذاقت من الحروب الدينية الويلات، وتلك فرنسا ذاكرتها لم تمح من حروب الكنائس وأباطرتها.
لم يستفق المحللون من فوبيا ما سمّي الإسلام السياسي وصراع الأديان والحضارات الذي قيل إنّ العالم يعيشه اليوم، حتى جاءهم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالنموذج المسيحي السياسي، وذلك في دولة تعدّ الأقوى في العالم، وينظر إليها أماً للديمقراطية ومدافعة عن العلمانية في العالم، وحتى وإن كانت أظهرت بعض الود لبعض التيارات الدينية، إلا أنّها لم تتقبّل وجود نظام إسلامي في الحكم.
أطلق ترامب رصاصة في قلب العلمانية في أميركا وباقي المدن العالمية، وجعل من نبوءات الرئيس الأسبق بوش، والذي توّقع ذات يوم في أحد أشهر خطبه، حين اجتمع بصحافيين وكتاب ومحافظين أميركيين أن تشهد الولايات المتحدة الأميركية صحوة دينية ثالثة، فإذا بترامب يحوّلها إلى استفاقة، وربما ثورة دينية لرجال الدين والمؤسسات الدينية، ستكون بدايتها واشنطن ونيويورك ولن تقف قطعاً هناك.
من المتوقع للقرار الأميركي أن يشكل ضربة موجعة لكل علمانيي العالم، ولدعاة فصل ما هو ديني عمّا هو سياسي في الكونغرس الأميركي، ومجالس الشيوخ في بقية مدن العالم، ليعود الصراع القديم المتجدّد على يد ترامب بين الدين والدولة أو على الأصح بين العلمانية والدين، فإلى أين يتجه العالم في ظل حكم ترامب؟ وهل ستشهد الولايات المتحدة تحوّلا تاريخياً على يد المجدّد ترامب؟
B0F46AB2-E032-4110-B464-0C137675EABA
B0F46AB2-E032-4110-B464-0C137675EABA
محمد المختار دي (موريتانيا)
محمد المختار دي (موريتانيا)