تحدّيات جديدة... تفاهمات جديدة

تحدّيات جديدة... تفاهمات جديدة

01 يونيو 2017

قمة الرياض الإسلامية الأميركية.. صوغ تحالفات جديدة (21/5/2017/فرانس برس)

+ الخط -
تمر المنطقة بمخاض عسير وصعب ودموي في أكثر من بلد، وقد باتت تحدّيات كثيرة تهدّد مصير هذه المنطقة ومستقبلها، بل وتنذر بحربٍ كبيرة قد تنزلق بالعالم إلى حرب عالمية كبيرة، خصوصاً وأننا إذا أمعنا النظر بالواقع الذي يعيشه العالم، في هذه المرحلة، نجد أنه يشبه، إلى حد كبير، المشهد الذي كان يعيشه العالم قبل قرن عشية الحرب العالمية الأولى، فالتنافس والصراع المعلن تارة والخفي تارة أخرى بين الدول الكبرى على أشدّه، ومحاولات السيطرة والتوسع والنفوذ تجري بين الدول الكبرى والعظمى والمؤثرة على قدم وساق، والبحث عن المواد الخام، لا سيما النفط والغاز، والأسواق، وطرق التجارة العالمية يشغل الجميع، والبطالة والأزمات الاقتصادية تكاد تضرب كل الدول، واللغة العرقية والطائفية والدينية تجري على كل لسان، والحشود العسكرية المتعدّدة ملأت المنطقة، بحيث لم يعد هناك من دولة مؤثرة ليس لها تواجد على أرضنا، وسياسة الأحلاف بارزة وواضحة، وسباق التسلح لا يخفى على أحد، وقيادات تشغل المناصب الأولى في دول عديدة توصف بالتسرع والانفعالية وأحادية القرار والشغف بصناعة الأحداث والإنجازات.
بالتالي، تواجه منطقتنا جملة تحدّيات كبيرة ليست سهلة، وقد شكلت القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض، في أحد مظاهرها، حلفاً جمع أغلب الحاضرين فيها طوعاً أو كرهاً، في مقابل أحلافٍ أخرى يجري العمل عليها، أو ربما تمّ الانتهاء منها. وسيدفع ذلك كله بالطبع إلى إعادة صوغ (وتركيب) علاقات أو تحالفات جديدة، قد تكون صادمة، أو ربما تنشأ تحت ظرف الحاجة والخطر المشترك الذي يمكن أن يواجه أصحابها، أو ربما لمصلحةٍ معينةٍ يقدّرها كل طرفٍ في هذه المرحلة، خصوصاً وأن القمم رفعت شعاراً واحداً هو محاربة "الإرهاب". وتصنيف بعض الدول راعية وممولة وداعمة له، ومن دون تحديد لهذا المصطلح وتعريف له، ولكن النيّة هي، في الأساس، جزء من معركة السيطرة والنفوذ والتوسّع وتأمين المصالح. ومؤكد أن ذلك سيجعل أطرافاً إقليمية ودولية تعيد التفكير بطرق عملها، وبعلاقاتها، ومواقفها من أحداث كثيرة في المنطقة. ولعلّنا بدأنا نشهد نوعاً من هذه التغيّرات المرشحة إلى المزيد، وصولاً، ربما، إلى إعادة تطبيع العلاقات بين بعض الأطراف التي تعتبر نفسها مستهدفةً في المرحلة المقبلة.
وفي لبنان، لا بدّ أن يكون لأحداث المنطقة تأثير، خصوصاً وأننا نتأثر كثيراً بأحداث المنطقة وتطوراتها، وقد لاحظنا أن وزير الخارجية، جبران باسيل، نأى بنفسه عن البيان الذي صدر عن القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض، وقال، إن لبنان لم يطلع عليه، ولم يكن مدرجاً أصلاً في جدول أعمال القمة إصدار بيان، في رسالة تحفّظ تحاول أن ترسي نوعاً من التوازن في علاقات لبنان بمحاور المنطقة، وتبنّى هذا الموقف رئيس المجهورية أيضاً، وحتى رئيس الحكومة، إلا أن هذا الموقف اللبناني من أحلاف المنطقة جعل بعض الصحافة العربية تهاجم لبنان ورئاسته، في تخيير غير مباشر للبنان، بحيث إنه إما أن يكون إلى جانب "هذا الفسطاط أو إلى جانب ذاك"، إذ لا منطقة رمادية في قاموس التطورات الجديدة والسياسات الجديدة. وبطبيعة الحال، ليس من السهل على بلدٍ كلبنان أن يكون في هذا الحلف أو ذاك في هذه المرحلة الحرجة والحسّاسة والدقيقة، والتي ما تزال محكومة بالتوازن، ولعل من الحكمة أن تبقى سياسة التوازن في العلاقة هي السائدة، أقله في المرحلة المقبلة، لتحصين الواقع اللبناني، بانتظار أن يتبيّن لبنان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذا الملف.
إلا أن القوى السياسية اللبنانية، أو لنقل أغلبها، تشعر أنها معنيّةٌ في مكانٍ ما بتحدّيات المنطقة، أو بعضها مستهدف بها، على الرغم من التباين أو ربما التناقض القائم بين بعض هذه القوى، وهو ما يمكن أن يولّد نوعاً من التفكير بضرورة مراجعة آليات عمل المرحلة الماضية، ومستوى ما بلغته العلاقات خلال تلك السنوات، وإمكانية التفكير في إعادة النظر بتطبيع العلاقة من جديد، والاتجاه نحو التنسيق في المرحلة المقبلة، بعد الاتفاق على إدارة الخلاف في الملفات الخلافية.