من المنيا إلى ليبيا

من المنيا إلى ليبيا

29 مايو 2017
+ الخط -
يبدو أن وراء حادث المنيا الذي وقع ضحيته 28 مصرياً قبطياً أهدافاً أبعد من الداخل المصري، فبعد حدوث الهجوم بساعات، وجهت القوات الجوية المصرية ضربة عسكرية على أهداف في مدينة درنة الليبية. وفي اليوم التالي، أعلنت قوات خليفة حفتر مشاركتها في الضربة ضد درنة. وفي التفاصيل، يتضح أن الأمر لا يتعلق فقط بما يتعرّض له مسيحيو مصر من اعتداءات وعمليات قتل على الهوية، وأن تحولات المشهد الليبي ليست بعيدة عن هجوم المنيا ورد الفعل المصري عليه.
وفقاً لما أعلنته السلطات المصرية، تمت الضربة الجوية بناءً على معلومات دقيقة، وحققت أهدافها المحدّدة سلفاً، إضافة إلى أهداف أخرى استجدّت خلال تنفيذ العملية. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن مواقع ما سمتها القاهرة معسكرات "تدريب الإرهابيين" في درنة، كانت معروفة مسبقاً ومحدّدة بدقة.
وهو ما أكدته التفاصيل التي تسربت عن الدوائر المصرية بشأن طبيعة الأهداف والمواقع التي تم ضربها. والدور الذي لعبته تلك المواقع في التحضير لتصفية المسيحيين المصريين في المنيا. وجاء بيان الخارجية المصرية في الاتجاه نفسه، حيث أكد وجود "أدلةٍ" على أن مرتكبي هجوم المنيا تلقوا تدريبات في تلك المعسكرات في درنة.
تكفي هذه المعطيات للاقتناع أن ما جرى في المنيا لا يهدف فقط إلى إرهاب المسيحيين المصريين وترويعهم، خصوصاً أن هجوم المنيا هو الرابع في أقل من ستة أشهر، بعد تفجير الكنيسة المرقسية في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، ثم تفجيري طنطا والإسكندرية قبل ستة أسابيع في 9 أبريل/ نيسان.
كانت ملابسات المشهد الليبي والدور المصري فيه قبل هجوم المنيا تشي بأن ثمة تحولاً سيطرأ على ميزان القوة بين الأجنحة الليبية المتصارعة. وكانت نقطة البداية في اجتماع خليفة حفتر مع فايز السراج (كشف لاحقاً علمه مسبقاً بالضربة المصرية على درنة). ثم بعده بأيام قليلة، استقبال عبد الفتاح السيسي حفتر ومطالبته المجتمع الدولي برفع حظر التسليح عن ليبيا، وتحديداً قوات حفتر التي تعتبرها القاهرة جيش ليبيا. وكان ذلك إيذاناً برفع مستوى الدعم المصري لحفتر ليأخذ صبغة رسمية شبه كاملة. وتأكد هذا التوجه بزيارة رئيس الأركان المصري حفتر، وهي أول زيارة رسمية معلنة لمسؤول مصري على هذا المستوى الرفيع. وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي على مضمون تلك الزيارة ونتائجها، إلا أنها بالتأكيد كانت أكثر من مجرد زيارة بروتوكولية. والقيام بها يعني مباشرةً أن ثمّة دفعة سيشهدها الدعم المصري لحفتر ودوره. إلا أن رغبة القاهرة في تطوير مساندة حفتر، وتقوية موقفه ميدانياً، كان ينقصها سبب قوي يبرّر التدخل المباشر لتغيير ميزان القوة على الأرض.
من هنا، يمكن فهم أن يحدث هجوم على مواطنين في أقصى صعيد مصر، فترد القاهرة عليه في عمق الأراضي الليبية. لكن ذلك لا يفسر انتظار القاهرة، على الرغم من امتلاكها معلومات عن تلك المعسكرات وما يجري فيها، فلم تبادر إلى تدميرها في ضربة استباقية. وهنا، يُطل العامل الأميركي، فواشنطن التي كانت تتحفظ في السابق على دور حفتر صارت أكثر تقبلاً له، خصوصاً بعد لقائه السراج.
وبدأت حسابات إدارة ترامب تجاه حفتر تأخذ منحىً إيجابياً. فالدور الذي يلعبه حفتر والصورة التي يرسمها لنفسه برعاية مصرية إماراتية، تتسق تماماً مع عقلية الرئيس، دونالد ترامب، التي تعتمد دائماً منطق القوة والحزم والأدوات الخشنة، غير أن هذا البعد الأميركي لا يتعلق فقط بقبول حفتر ومباركة تأهيله سياسياً وعسكرياً، وإنما يتعلق أيضاً بضوء أخضر، يبدو أن القاهرة حصلت عليه بالفعل، للقيام بعمليات عسكرية مباشرة داخل ليبيا. بالتالي، قد لا تكون ضربات درنة سوى بداية لسلسلة عمليات تعيد تشكيل المشهد العسكري، ومن ثم السياسي، في ليبيا.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.