فرصة الريف.. هل تُضيع؟

فرصة الريف.. هل تُضيع؟

28 مايو 2017
+ الخط -
حين تحل ببلد ما مصيبة كالتي صعقتنا في المغرب قبل شهور، وأدت إلى مقتل مواطن بسيط في ظروف مأساوية وبشعة داخل شاحنة لنقل النفايات، فإنّ شيئاً ما بالضرورة سيهتز بقوة داخل هذا المجتمع، وعند الحد الأدنى يكون إعلان الحداد واجبا. لكن، للأسف ما دام أنّه مواطن من الدرجة الثالثة، وينتمي إلى ذلك الوطن البعيد المنسي الذي سمّي المغرب الآخر، أو كما يسميه سكانه "المغرب المغضوب عنه"، فلا داعي لذلك.
صحيح أنّ بلاغات رسمية صدرت تعبّر عن مواساتها لعائلة الضحية، ومشاركتها حزنها، كما صدرت تعليمات لفتح تحقيق في الموضوع وكبار المسؤولين انتقلوا إلى عين المكان، وباشروا في تصريحات تهدّئ من فظاعة الحادث، لكن هذا كله وصل إلى أسرة الضحية، وليس إلى المجتمع، فالحكومة تعاملت مع الأمر، وكأنه مأساة أسرة وحدها، وانتهى الموضوع لا باعتبارها كارثة وطنية تمسّ جميع فئات الشعب. حين يفوز مغربي في تظاهرات دولية، نهنئ الشعب بأكمله ويهتز الإعلام بمختلف وسائله فرحاً، وهو يقول: مبروك للمغرب، لكن حين قتل ابن الريف أدرنا له ظهورنا وقلنا: الله يرحمه، وكأنّ شيئاً لم يكن.
أبناء الريف الصامد، وكعادتهم لم يغسلوا أيديهم عن الحادث وتناسوه، بل عبّروا، في احتجاجات حضارية وسلمية عن مسؤوليتهم ووعيهم، لكن سرعان ما خرج من يريد إهانتهم، ما زاد الطين بلة، وأثار ردود فعل إضافية، وقد سمعنا اتهامات من زملاء صحفيين ومسؤوليين يتحدثون عن أياد خفية، تريد تخريب البلد وتخونهم وتشكك في وطنيتهم، وتدّعي أنّهم يستغلون الحادث لجرّ البلاد إلى الفوضى، مثل هذه التصريحات وأوقح منها يعتقد بعضهم أنهم من خلالها يخدمون الوطن وأمن البلد، في حين أنهم مخطئون وغافلون عن معنى خدمة الوطن، فالحديث عن المؤامرة فقد مصداقيته منذ زمن وأضحى غير مقنع.
كلّ الإجراءات التي اتخذت حتى الآن لاحتواء أثار الفاجعة لا تكفي، لو كان مقتل بائع السمك قدراً لرضينا بقضاء الله، لكن أن تكون جهة حكومية طرفاً أساسياً الأمر يختلف، ولا يوجد سبب مقنع يجعل هؤلاء المحتجين يلتزمون الصمت، ولا يطالبون بأبسط الحقوق، فالحكومة لم تتنازل يوماً عن حقوقها لدى المواطنين، بل حصلتها كاملة وضاعفتها أحياناً بلا رحمة. كما أنّ إقالة مسؤول لا حول له ولا قوة وجعله كبش فداء لإخماد نار الكارثة لن تشفي غليل الريفيين، دماء محسن فكري لن تغسله إجراءات من ذلك القبيل، وتمرير المسألة بهذه الصورة جريمة في حق المجتمع ونعت المحتجين بالانفصاليين جرم لا يغتفر.
من ينتقد مطالبة سكان الريف برفع عسكرة المنطقة يجب أن يعلم أنها مسألة يجب أن يتنبّه لها كلّ ساع إلى الحرية والديمقراطية، فكلّ ما يعانيه اليوم الريفيون من قمع وتهميش، إنّما هو نتيجة عسكرة السلطة التي خلّفها النظام التقليدي، عليهم أن يصمدوا ولا يسمحوا لكائن باحتكار السلطة، ولا يتردّدوا في دفع ضريبة استعادة الحرية، لأنها مكلفة في كل أحوالها.
يا سكان الريف، منحكم التاريخ فرصة قد تطول السنين لتتاح مرة أخرى، وهذا كله يتوقف على وعيكم السياسي ورؤيتكم لمغرب تسوده الكرامة والعدالة الاجتماعية، والتي بدأت تتشكل ملامحها في الأفق من خلالكم.

19126A7E-A15E-497B-89DF-45C0003F3629
19126A7E-A15E-497B-89DF-45C0003F3629
آسيــــــة البشارة (المغرب)
آسيــــــة البشارة (المغرب)