عندما يعيد ترامب سيرة نيكسون

عندما يعيد ترامب سيرة نيكسون

27 مايو 2017

دونالد ترامب وريتشارد نيكسون

+ الخط -
يقول هيغل، في مكان ما، إن الأحداث التاريخية الكبرى تعيد نفسها مرتين، ويعلق ماركس على هذه الفكرة بقوله إن المرة الأولى عادة ما تكون مأساة، بينما تكون الثانية مهزلة.
أفاق الأميركيون، في يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، على خبر صاعق. الرئيس ريتشارد نيكسون يقيل المحقق الخاص في قضية ووترغيت، آرشيبولد كوكس. تلا ذلك مباشرة استقالة وزير العدل الأميركي، إيليوت ريتشاردسون، ونائبه بيل راكلشاوس، اللذين استقالا احتجاجا على قرار الرئيس. ومباشرة، أطلقت وسائل الإعلام الأميركية اسم "مجزرة ليلة السبت"، في وصف دقيق لما قام به الرئيس نيكسون من عملٍ غير مسبوق.
بعد أكثر من ثلاث وأربعين سنة، يقوم الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، بمجزرة مشابهة، فيطرد مدير مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) جيمس كومي، بسبب إصراره على توسيع التحقيق الذي يقوم به فريق مكتبه في الاتصالات بين أعضاء في حملة ترامب الانتخابية العام الماضي ومسؤولين استخباراتيين روس، ما أثّر على نتائج الانتخابات، وساهم في فوز الرئيس ترامب مقابل هيلاري كلنتون.
الفرق بين المأساة والمهزلة أن وزير العدل ونائبه أيام نيكسون استقالا احتجاجا على قرار
الرئيس إقالة المحقق الخاص. وزير العدل الحالي جيف سيشنز ونائبه رود روزنشتاين استُخدِما أداة في طرد كومي، بل إنهما من طالب بهذه الإقالة. والمهزلة اليوم أيضا في أن يكون في واجهة قيادة الكونغرس دمى تغلّب المصالح الذاتية والحزبية على مصالح الأمة، مثل رئيس مجلس النواب، بول رايان، وكبير الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل.
ولكن كرة من الثلج بدأت تتشكل، وثمّة احتمال كبير أن تكبر، بحيث يغدو غض النظر عن تدخل الرئيس ترامب في مسار العدالة عبئا لا يمكن للكونغرس، حتى ولو كان بأيدي الجمهوريين، أن يتحمله.
ويساعد الرئيس ترامب هذه الكرة على النمو بوتيرة متسارعة، بسبب التصريحات والأعمال التي يقوم بها. فإلى جانب إصراره على تمرير مشروع يقضي على خطة سلفه الرئيس باراك أوباما للرعاية الصحية، وهو ما سيترك أكثر من عشرين مليون أميركي خارج أي تأمين صحي، فإنه لا يزال يرفض أن يقدم عائداته الضريبية إلى الأمة الأميركية على خلاف التقليد الذي يتبعه الرؤساء الأميركيون منذ أيام الرئيس نيكسون نفسه. وهو لا يزال يعلن عن كرهه الملونين والمسلمين والنساء، وقد أصر على تعيين أقل الأشخاص ملاءمًة لشغل المناصب الحساسة، فعين بيتسي ديفوس وزيرة للتربية، وهي العاطلة من أي خبرة في هذا المجال والعدوة الأصيلة للتعليم العام، وستيفن منوتشين الذي حقق ثروة هائلة من تسببه في كوارث الانهيار الاقتصادي عام 2008، وزيراً للخزانة، وعين جراح دماغ وزيراً للإسكان، وسياسياً كان تعهد بإغلاق وزارة البيئة وزيراً لها. أما مرشّحه لوزارة العمل فكان يضرب زوجته، واضطر إلى سحب ترشيحه قبل أن يصوّت عليه مجلس الشيوخ. ومن بين كل مساعديه لم يجد لمنصب مستشاره للأمن القومي خيراً من مايكل فلين الذي كان التقى مع السفير الروسي في واشنطن المعروف بعلاقاته مع المخابرات الروسية مرات عدة قبل الانتخابات، وقد رفض ترامب طرده، على الرغم من التحذيرات المتعدّدة، وهو اليوم قيد التحقيق. أمــا وزيـــر العـــدل، جيف شيشنز، فكانت اللجنة القانونية في مجلس الشيوخ قد رفضت ترشيحه عام 1986 بسبب "سلوكه وتصريحاته العنصرية التي يؤكدها تساؤله الصفيق أخيرا، كيف يمكن لقاضٍ في جزيرة في المحيط الهادي أن يوقف قراراً لرئيس الولايات المتحدة"، في إشارة ازدراء إلى ولاية هاواي.
على أية حال، كان قرار نيكسون إقالة كوكس العلامة الأولى الكبيرة في طريق انحداره
السريع، فقد بدأ الرأي العام يطالب، بشكل متزايد، بتعيين محقق مستقل جديد، ليتابع مسيرة كوكس، وبدأ يحرّض الكونغرس، ليفكر في عملية مساءلة الرئيس وعزله. وبينما كان قرار عزل المحقق المستقل محاولةً من نيكسون لمنع فضيحة ووترغيت من أن تنهي حكمه باكرا، فقد وجد نفسه بعد عشرة أشهر خارج البيت الأبيض، كأول رئيس يتم عزله من منصبه في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية كله.
لن يكون مثل هذا المسار اليوم بهذه السهولة، فلا أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وخصوصا الجمهوريين، لهم قامات سابقيهم نفسها، فهم يعملون ليل نهار، ليس لإحقاق الحق، وإنما لسحب تغيير قانون الضرائب، بما يؤمن لهم عدة مليارات من الدولارات، سيسرقونها من صندوق الرعاية الصحية للأطفال والعجائز والفقراء. أما المسؤولون في إدارة الرئيس ترامب فتراهم يتسابقون لتملقه، والخضوع له، وتلميع صورته ولملمة أوساخه التي يخلفها كلما أدلى بتصريح أو نشر تغريدة على "تويتر"، وكان أسوأ تغريداته تهديد كومي بعد إقالته بأنه ربما يحتفظ بتسجيلات للقائهما سابقا على العشاء في البيت الأبيض.
ومع ذلك، ثمّة نقطة ضوء في الواقع الأميركي الراهن اليوم، وهي الإعلام. إنه اليوم يتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الديمقراطية الأميركية والدفاع عن مبدأ الضوابط والتوازنات. ويدرك الرئيس ترامب ذلك. لذلك يصنف الإعلام أكبر عدو له، ويشن عليه حملة كبيرة ويتهمه بأنه "مزيف"، ولكن الإعلام لا يستسلم بسهولة، فهو يتابع كل أعمال ترامب وتصريحاته، ويبين خللها وزيفها، ويقابلها دائما بالحقائق.
وسيكون الأميركيون والعالم بأجمعه بانتظار انتخابات 2018 المتوقع أن تغير تركيبة مجلس النواب (ومجلس الشيوخ جزئيا)، بحيث يحتل النواب الديمقراطيون الأغلبية في المجلسين، وعندها ستبدأ رحلة جديدة بين ترامب والكونغرس، ستبدو رحلة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، معها لعبة مسلية، وستشبه، إلى حد كبير، رحلة نيكسون قبل أربعة عقود.

دلالات

8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح