في انتظار كارثةٍ تُحُلُّ بنا جميعا!

في انتظار كارثةٍ تُحُلُّ بنا جميعا!

26 مايو 2017
+ الخط -
طَرَحْتُ الأسبوع الماضي سؤالا في "العربي الجديد": "ماذا نريد نحن العرب؟". لا أريد هنا أن أعيد استعراض ما جاء في ذلك المقال الذي حاولت فيه أن أجيب عن هذا السؤال الجذري في أزماتنا ومعضلاتنا، ولا أظنني أصلا اقتربت من الإجابة، فالموضوع راوغ من هو أكثر مني عمقا فكرياً وخبرة وعلما. ولكني أجدني اليوم مضطرا إلى العودة إلى السؤال نفسه في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى المنطقة الأسبوع الجاري، والتقائه، يوم الأحد، عشرات من الزعماء العرب والمسلمين في الرياض، في قمة عربية إسلامية- أميركية. فترامب الذي تَكَرَّمَ علينا ببشرى أنه لم يأت ليحاضر فينا، حاضر فينا فعلا. ولماذا لا يفعل ذلك، وقد سبقه سلفاه، باراك أوباما وجورج بوش الابن، بفعل الأمر ذاته؟ الرجل أعلن بملء الفم: "لن نقول لكم ما ينبغي عليكم فعله.. تحملوا مسؤولياتكم.. لن نقاتل نيابة عنكم.."، إلخ. ولكنه عاد لِيُنَظِّرَ علينا بما ينبغي أن نفعله، فقال متحدّثا عن "المتطرّفين" و"الإرهابيين": "اطردوهم.. اطردوهم من أماكن عبادتكم، اطردوهم من مجتمعاتكم، اطردوهم من الأرض المقدسة، اطردوهم من الأرض كلها". أما "المتطرّفون" و"الإرهابيون"، من وجهة نظره، فإنهم لا ينحصرون في "القاعدة" و"داعش"، بل إنهم يشملون حركة كـ"حماس"، بل وكل من يحمل فكرا إسلامياً، على أساس أنه يُحْتَمَلُ أنه "متطرف". وبهذا، يستوي في مقاربة ترامب وأركان إدارته الإرهابي فعلا والمقاوم لظلم واحتلال، ومن يحمل فكرا، قد لا يكون بالضرورة متطرّفا، ولكنه ينتمي إلى مدرسة فكرية أضحت مشجباً لكل أزمات الإقليم وفشل الدولة القطرية العربية.
طبعا، احتفلت أنظمة عربية كثيرة بخطاب ترامب، لا لأنه خفف من حدة لهجته ونبرته العدائية عن الإسلام الذي كان اعتبره خلال الحملة الانتخابية الرئاسية بأنه كاره لأميركا والغرب، بل
لأن الرجل لم يأت إطلاقا على ذكر حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية. وعمليا، عندما قال ترامب للزعماء العرب والمسلمين الحاضرين أمامه إنه لن يحاضر فيهم، ولن يُمْلِيَ عليهم ما ينبغي أن يفعلوه، فإنه قصد تحديدا أن أميركا ترامب لن تلقي بالا لتلك القضايا في علاقاتها مع أنظمة المنطقة، كما كان يتاجر بها أوباما من باب الضغط والمساومة، لا القناعة والحرص. ومن ثَمَّ فقد حظي ديكتاتور فاشل على كل الصعد، مثل عبد الفتاح السيسي، بتقريظ ومديح من ترامب، فليس المهم أن تكون ديكتاتورا ذكيا، حتى لا تتحول إلى عبء مستقبلي، كما كان يريد أوباما، ومن قبله بوش، بل المهم في فهم ترامب السطحي أن تكون ديكتاتورا متماهياً مع اشتراطات متطرفي ومهووسي صراع الحضارات في إدارته.
للأسف، لأننا أمة تائهة، بلا رؤية ولا مشروع، هَلَّلَ كثيرون منا بحديث ترامب عن عزل إيران ومحاصرتها وقطع أذرعها في المنطقة. وقد سبق أن عبرت، غير مرة، أن إيران جعلت من نفسها خصما لنا نحن العرب، وهي متورّطة، كما كثيرون من الغرب وروسيا، وكما كثيرون من أنظمتنا، في سفك دمائنا ووأد آمالنا في العراق وسورية ولبنان واليمن. ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل التي تعلن العداء لإيران خصم مُبَرَّأُ الذِمَّةِ من كوارثنا ومصائبنا ودمائنا، كما لا يعني أنها حليف لنا في المعركة مع إيران. إسرائيل تعادي إيران، لأنها لا تريد قوة إقليمية تنافسها النفوذ فيها، وينسحب الأمر نفسه على مقاربتها لتركيا. ولن تسمح إسرائيل بانبعاث قوة عربية، حتى ولو كانت حليفة لها، ومن لا زال يعيش حالة إنكار وَتَعامٍ فليسأل نفسه: هل سمحت إسرائيل يوما لمصر كامب ديفيد أن تنهض وتصبح منافساً ونداً لها؟ أظن أن الجواب معروف، إلا من تقصد التحامق.
ما بقينا أمة تتخبط من دون بوصلة فإننا لن ننهض أبدا. ما بقينا أمة يعلن بعضها حربا على بعضها الآخر، فلن تقوم لنا قائمة. وما بقينا أمة تحدّد أنظمتها هوية العدو على أساس تهديده قمعها وطغيانها، فإننا سنبقى ننتقل من كارثة إلى أخرى. هل يعقل أن بعض الأنظمة قد أُعْمِيَ على بصائرها، لتبالغ في زعم أن "الإخوان المسلمين" هم العدو الأساس، لا إسرائيل، ولا حتى إيران؟ هل أصاب بعضها الخبل لتقبل بوصاية أجنبية عليها في مقابل أن لا تتنازل لشعوبها ديمقراطيا؟
لنصارح بعضنا بعضا: بقاء الحال من المحال. إن وصاية أجنبية قد تحمي عروشاً وكراسيَّ
إلى حين، ولكن ذلك الحين لا مناص مُنْقَضٍ عندما تتغير الحسابات وتتبدل المصالح. لقد خَبِرَ شاه إيران ذلك من قبل. وَخَبِرَهُ زين العابدين بن علي. وَخَبِرَهُ حسني مبارك. وَخَبِرَهُ معمر القذافي. وَخَبِرَهُ علي عبد الله صالح.. إلخ. أما من اختار وصاية روسيا وإيران، كبشار الأسد، فقد انتهى به الحال خادما ذليلا لهما، لا يملك من أمره شيئا، في حين دُمِّرَتْ بلده وَسُحِقَ شَعْبُهُ وَشُرِّد. أين سورية اليوم، بعد أن رفض الأسد أن يتنازل قليلا لحقوق شعبه وكرامته ومستقبله؟ الإجابة واضحة، ولا شيء أبدا يقول إن أياً من دولنا محصّنة من مصير سورية.
إنها دعوة إلى الاستيقاظ، أُطْلِقُها، كما أَطْلَقَها من قبل غيري، وإن كنَّا نعلم أن مصيرها الخواء. مقايضة الديكتاتورية بفلسطين، واسترضاء إسرائيل لعزل إيران، والتَلَفُّعُ بأميركا لقمع الشعوب معادلة ستنتهي إلى فشل ذريع، ولن نحقق، أنظمة وشعوبا، أياً مما نريده. إننا جميعا، شعوبا وأنظمة، في مركبٍ واحد. أحببناكم كشعوب أم كرهناكم، إلا أن أي خرق يحدثه أحدنا في هذا المركب سيعني غرقنا جميعا.. متى تفهمون ذلك قبل أن يأتي الطوفان ليبتلعنا جميعا!؟