عن فستان الوزيرة

عن فستان الوزيرة

26 مايو 2017

ريغيف في مهرجان كان.. التدليس الاستعراضي (17/5/2017/فرانس برس)

+ الخط -
أن تكون تحت الضوء. جملة تختصر معاني كثيرة، فلطالما رغب الإنسان في أن يكون تحت الضوء. هناك من يصنعون الضوء، وهناك من يسعون إلى أن يكونوا تحته، وكثيرون يبذلون جهوداً مضنية، كي يقتربوا مجرد اقتراب من سحر الضوء، وكثيرون يلقون حتفهم في سعيهم إلى الضوء، لأن في الضوء منتهى حلمهم، بعد أن أطبقت الظلمة على أرواحهم زمناً طويلاً. ويعتقد كثيرون أن الضوء سيعمي أبصار الآخرين وبصيرتهم، فيرونهم تحت الضوء في صورة مشتهاة لنفوسهم، ولا يأبهون لما يصيبهم، طالما اقتنصوا تلك اللحظات الباهرة، وعبروا في مدار يتوهمون أن الزمن سوف يتوقف ليسجّل عبورهم الساطع فيه.

ماذا فعلت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، في افتتاح مهرجان كان السينمائي قبل أيام؟ لم تكن الزيارة الأولى لها إلى "كان"، فقد زارته في دورته الماضية أياماً، وقادت حملة رسمية في محاولة لإقناع إدارة المهرجان أن توقف عرض بضع دقائق من فيلم وثائقي فلسطيني، كان مبرمجاً للعرض في سوق الفيلم، يتناول عملية الرهائن في أثناء الألعاب الأولمبية في ميونيخ التي قام بها مجموعة من منظمة أيلول الأسود الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول 1972. وعلى الرغم من أن الفيلم لم يكتمل، ولم يشاهده أحد، إلاّ أن الوزيرة واللوبي الصهيوني في فرنسا طالبوا بمنع عرضه، لمجرد أنه يروي أحداثاً تاريخية من وجهة نظر فلسطينية.
لم تنجح جهود الوزيرة ريغيف في وقف العرض، ولكنها جاءت هذا العام لتفرض نفسها تحت الضوء. وقد تكون ربما في مراجعتها للعملية الفدائية التي حدثت قبل 45 عاماً قرأت ما قاله القائد الفلسطيني، صلاح خلف (أبو إياد) العقل المدبر للعملية بأن الفلسطينيين أرادوا أن يقولوا للعالم إنهم موجودون، وإنهم يريدون قول ذلك أمام ملايين البشر في لحظة واحدة، حيث الألعاب الأولمبية تحت الضوء، وأمام آلاف الكاميرات، وهذا ما حصل. استطاع الفلسطينيون أن يصنعوا ضوءهم الخاص، ليشع على العالم، فربما يرى مأساتهم.
وربما عرفت ريغيف أن حضورها الشخصي لن يجعلها نقطة استقطاب تحت الضوء، فسوف تمر كما يمر المجهولون على السجادة الحمراء. ولهذا لجأت إلى مصمم أزياء إسرائيلي، ليصمم لها ما يثير الكاميرات، ويجذب الضوء إليها، فتختفي هي وراء ذلك الفستان الذي يحمل صورة مدينة القدس، بكل ما فيها من تاريخ وصراع، في محاولة يائسة لتثبيت صورة القدس مدينة إسرائيلية، لا جدال على ملكيتها. قد تكون ريغيف نجحت في جذب الانتباه، فصورةٌ كتلك على فستانٍ لا تحمل أي جماليةٍ في التصميم، ولو افترضنا أن لا نزاع على المدينة، فمن هي المرأة التي ستجد فتنةً في ارتداء فستان مزين بأماكن عبادة؟ لم يكن الفستان جميلاً، ولا ساحراً، لكن ريغيف أوصلت رسالتها الخائبة أمام الضوء، واستغلت مهرجاناً عالمياً لإيصال رسالةٍ سياسيةٍ، ولتنتقم مما فعل الفلسطينيون قبل 45 عاماً، حين استقطبوا الضوء جميعه، وأرسلوا ضوءهم ليحكي حكايتهم.
في نهاية الأمر، سواء حملت ريغيف القدس على فستانها، أو حملتها على رأسها، فلن تتمكّن من تقرير مصير القدس، بخديعة تصميم فني سوقي، لا تنقصه الغلاظة، ويفتقد أدنى معايير الجمال في التصميم، بما فيها النعومة والدقة والأنوثة. ولكن ريغيف أفادتنا كثيراً في فعلتها، فقد ذكرتنا بتقصير الفلسطينيين، وطرحت علينا سؤالاً عن تقصير وزارة الثقافة الفلسطينية، وغيابها عن مناسبات عالمية مثل مهرجان كان. فما الذي يمنع وزير الثقافة الفلسطيني مثلاً من الحضور إلى مهرجان عالمي، بدلاً من هدر الوقت في نشاطات محلية، أو توزيع الجوائز، وإقامة الندوات، ومنح جوازات سفر فلسطينية لمن هبّ ودبّ، والكلام الذي لا طائل تحته عن تعزيز روايتنا في مقابل الرواية الإسرائيلية في احتفالٍ في قرية من قرى فلسطين، أو على صفحات "فيسبوك".
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.