مهازل كالبلايا العظام

مهازل كالبلايا العظام

23 مايو 2017
+ الخط -
كيف يمكن أن يتحدّث المرء عما يجري في بلدان عربيةٍ من هدرٍ تامٍ لثروات شعوبها على صفقات السلاح مع أميركا (وغير أميركا)، وعن شراء "الأمن" و"الاستقرار" بمئات المليارات، من دون أن يتهم أنه من جماعات إيران والنظام السوري ومن لفَّ لفَّهما؟ لا أعرف كيف. وبصراحة لا يهمني. وأستغرب، كل الغرابة، أن لا تثير هذه الصفقات المليارية التي تغدق على أميركا ورئيسها أي ضجةٍ، أي استغرابٍ، أي نقاشٍ في السعودية نفسها، ولا في بلدان الخليج العربي، ولا حتى بين المثقفين العرب. لا أتحدّث عن صفقةٍ بمليار ولا اثنين ولا ثلاثة ولا عشرة، بل مئة مليار، هنا والآن، وما يقرب من نصف تريليون دولار في غضون السنين العشر القادمة. 

لم تحصل صفقة في التاريخ البشري مماثلة لهذه الصفقة التي يراد منها لجم سعار ترامب، وكلاب إدارته، ضد هذه البلدان. لقد قال ترامب إن على السعودية (ودول الخيلج العربي) أن تدفع مقابل ضماننا أمنها. لا أمن بعد الآن ببلاش. كأن الدول العربية، الخليجية خصوصا، لا تدفع لأميركا مقابل أمنها، أو كأنها تعيش "عالةً" على الأمن القومي الأميركي، كأنها لم تنفق ما يتجاوز تريليون، حتى الآن، على الأسلحة وحربي الخليج الأولى والثانية.. حصلت أميركا منها على حصة الأسد. كل عشر سنين، تقريبا، "تقشّ" أميركا ما تراكم من ثرواتٍ بترودولارية لدى بلدان الخليج العربي. بحربٍ مع إيران مرة، بحربٍ مع العراق مرة ثانية، بحرب ضد الإرهاب مرة ثالثة (ولكن، ولا مرة بحربٍ ضد إسرائيل).

***
كتبتُ هذه الكلمات قبل أن تبدأ "القمة الإسلامية – الأميركية" في الرياض التي جعلت المعنيين يقفون على أطراف أصابعهم خوفاً من "لسان" ترامب. أما وقد عقدت "القمة"، وسمعنا ما سمعناه، فلم يعد هناك خوفٌ من أن "يزلّ" لسان ترامب، فالمال يعقد، على ما يبدو، "أزفر" لسان في العالم، ومثلنا الشعبي يقول "أطعم التم بتستحي العين". فهل هناك أكبر وأكثر مما حصل عليه ترامب في أول محطةٍ من زيارته الشرق أوسطية؟ كلا. ليست هناك معدة قادرة على هضم الأموال التي تدفقت على الرئيس الأميركي الذي استهل عهده بمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول أميركا، وتبنى مصطلح "الإرهاب الإسلامي" الذي رفض سلفه، أوباما، تبنيه عن فهم ووعي وليس عن غاية أو قصد، فالإرهاب الذي يقوم به مسلمون لا يجعله إرهابا إسلاميا، ولا إرهاب الهندوس، مثلا، يصبح هندوسياً، ولا صبغت عمليات الجيش الجمهوري الإيرلندي بصبغة دينيةٍ كاثولوكية. هذه طبعا بداهاتٌ، لكنها كانت تحتاج إلى ما هو أكثر من النقاش، ليعدل عنها ترامب. وها هو يعدل، حتى الآن، بعدما حصل لاقتصاد بلاده ما لم يحصل عليه رئيس أميركي في التاريخ، فإذا كان شراء لسان ترامب يساوي نصف تريليون دولار، فيا له من سعر يصعب عدَّه على أضخم آلة حاسبة في العالم. هذا حصل، فقد أغدق رجل تلفزيون الواقع، والرئيس المشكوك في إكمال ولايته، مديحاً لا يطرب له إلا العرب. فمن يطرب للمديح غيرنا؟ الم نجعله في رأس أغراضنا الشعرية؟ ومَنْ أكثر منا كرماً؟ ألسنا ورثة حاتم الطائي الذي أولم حصانه لضيفٍ لا يعرفه؟
ولكن، ماذا أخذ المضيفون من الرئيس الأميركي غير حلاوة اللسان؟ الهجوم على إيران؟ إنه مجرّد كلام لن يعقبه، على الأغلب، فعلٌ من الطراز الذي يتوقعه مضيفوه العرب، فإيران ليست لقمةً سائغة. لقد أمسكت، بيد ماكرة، بأكثر من ملف عربي: سورية، العراق، لبنان، اليمن، وجزء من فلسطين!
مثل الطلاب المجتهدين، اصطف الزعماء العرب أمام رجل الفنادق وعارضات الأزياء. يريدون رضاه. أما رضا شعوبهم فلا قيمة له. زعماء بلا مشروع. بلا هدف سوى البقاء في الحكم. فما هو مشروع "مكافحة الإرهاب"؟ هل هذه قضيتنا الجامعة؟ وعلى ذكر القضية، ليت تلك الأموال الخرافية التي أغدقت على "أبي فيانكا" (التي دوّخت وأمها رؤوس المجتمعين، حسب ما أتوقع) جعلته يؤمن، فقط، بحل الدولتين.. أو يتعهد ببذل جهد على هذا الصعيد. ولكن لِمَ النكد وإفساد العرس العربي الإسلامي الأميركي بذكر هذه القضية "الميتة"؟ ألا يكفي أن محمود عباس كان موجوداً؟
صدّقوني أني غير قادر على التعبير عما تطرحه علينا هذه اللحظة من مهازل، لا تشبهها إلا البلايا العظام.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن