هذا التوجس الإسرائيلي

هذا التوجّس الإسرائيلي

21 مايو 2017
+ الخط -
في فترة قياسية، تحوّل تهليل اليمين في إسرائيل لفوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة إلى حملةٍ من الهواجس والتشكيك بالإدارة الأميركية الجديدة التي، حتى وقت قصير، كان يعتبرها الأكثر دعماً وتأييداً لإسرائيل على الإطلاق.
فجأةً، تغيرت اللهجة الإسرائيلية، وبدأت الشكوك في الظهور، ولا سيما بعد تراجع ترامب عن وعوده الانتخابية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وبصورة خاصة بعد المفاوضات التي أجراها في الأشهر الماضية موفده الخاص إلى المنطقة، جايسون غرينبلات، مع المسؤولين الإسرائيليين، والأفكار التي طرحها، وبدا أنها تتعارض تماماً مع رؤية الحكومة الإسرائيلية الحالية من موضوعي البناء في المستوطنات والتسوية السياسية مع الفلسطينيين.
فوجئ اليمين الإسرائيلي، عندما سمع من شخص، مثل غرينبلات، يهودي متدين، وخريج مدرسة دينية في جبل صهيون، وصاحب رؤية دينية يهودية، أفكاراً ومواقف مختلفة جداً عن مواقف معسكر اليمين القومي المتشدّد، وقريبة من مواقف المعارضة الإسرائيلية، وخصوصا من مواقف تسيبي ليفني، عضو الكنيست في المعارضة من كتلة المعسكر الصهيوني التي يترأسها زعيم حزب العمل يتسحاق هيرتسوغ، والتي سبق وأدارت المفاوضات مع الفلسطينيين أيام حكومة إيهود أولمرت. ففي رأي ليفني الذي أبلغته إلى غرينبلات أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قادر على تحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين، وهو يستطيع أن يحظى بدعم الأغلبية في الكنيست لو قام بهذه الخطوة، وهو غير مقيّد فعلاً باليمين القومي المتشدد، الرافض أي تحرّك سياسي، يمكن أن يؤدي إلى تقديم "تنازلات" للفلسطينيين. في جميع الأحوال، لم تسفر الاجتماعات العديدة التي أجراها غرينبلات في إسرائيل عن شيء حتى الآن. لكن ما زاد في مفاقمة قلق اليمين الإسرائيلي وهواجسه، مظاهر التقارب التي بدأت تبرز، أخيرا، بين الرئيس ترامب وزعماء الأنظمة العربية السنية المعتدلة، مثل مصر والأردن، وخصوصا دول الخليج وفي مقدمتها السعودية.
ثمّة سؤالٌ يطرحه اليمين الإسرائيلي اليوم على نفسه: هل تحوّل دونالد ترامب من كارهٍ للمسلمين، كما بدا في بداية ولايته إلى صديق لهم؟ ومتى حدث ذلك؟ وكيف يمكن أن ينعكس هذا التقارب على زيارة ترامب المتوقعة إلى إسرائيل الأسبوع المقبل؟ وهل هناك ثمنٌ يمكن أن يدّفعه ترامب للإسرائيليين مقابل هذا التقارب؟
لقد بدأت أوساط اليمين في إسرائيل قبل فترة من زيارة ترامب المنتظرة، بحملةٍ موجهةٍ نحو نتنياهو، تحذره فيها من مغبّة تقديم تعهدات إلى الرئيس الأميركي بتجميد البناء في القدس والمستوطنات، ولا سيما في ضوء تسريباتٍ تحدثت عن احتمال أن يطلب ترامب من نتنياهو تجميد البناء في المستوطنات، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ضمن إطار صفقةٍ إقليميةٍ، يعمل على إعدادها قد تؤدي، في رأي أكثر من معلق إسرائيلي، إلى إحداث "تحوّل تاريخي" في المنطقة.
ما يهم حكومة نتنياهو في زيارة ترامب أمران أساسيان: المحافظة على العلاقة الجيدة مع الرئيس الأميركي الجديد وعدم إغضابه باتخاذ مواقف معارضة له علناً. وعدم تقديم أي تنازل في موضوع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وفي العملية السلمية مع الفلسطينيين.
لا يخفى على المراقب مقدار مبالغة اليمين الإسرائيلي في تصوير هواجسه وقلقه، ومدى الافتعال في التهديدات الموجهة إلى نتنياهو، ومقدار التصنّع والكذب في التشكيك في نيات الرئيس الأميركي ترامب. وعلى الأرجح، هذا يدخل في إطار عملية تخويف وترهيب، يقوم بها اليمين في إسرائيل، كي يظهر نفسه أمام إدارة ترامب بأنه من يملك مفاتيح الحل، وأن أي اقتراحٍ يطرح خلال الزيارة يجب أن ينال موافقتهم قبل موافقة رئيس الحكومة، وأنهم المدافع الأكبر عن مصلحة الجمهور الإسرائيلي. يرى اليمين القومي الديني في إسرائيل أنه يغلب على لغة ترامب السياسية في التعامل مع مسألة النزاع مع الفلسطينيين لجهة المصالح المادية والصفقات التجارية، وليس الإيديولوجيا الصهيونية، ولا الحقوق التاريخية المزعومة لليهود في فلسطين.
من المحتمل أن تكون الهواجس الإسرائيلية مجرّد زوبعة في فنجان، يثيرها اليمين لإحداث ضجةٍ لا أكثر ولا أقل. لكن، يبقى السؤال: ماذا سيحدث لهذا اليمين، لو فاجأ ترامب المسؤولين الإسرائيليين بحل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني على شكل "صفقة سلام" لا يمكن رفضها؟
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر