في صناعة الأبطال

في صناعة الأبطال

20 مايو 2017
+ الخط -
سمعنا غير مرة أنّ النجوم غالباً ما يولدون من رحم المعاناة، ولا يوجد في عالمنا مشهور ممن وصلوا إلى أهدافهم وحققوا أحلامهم إلا أولئك الذين يعيشون طفولة صعبة، ويعيشون المحن بمختلف أنواعها في طفولتهم، وكثيراً ما توقفت عند هذه الحقيقة، خاصة عندما أقرأ عن علم من الأعلام، أو نجم من النجوم، فأتساءل حائرا: هل بإمكان كل بائس في هذه الحياة أن يحقق نجاحاً كبيراً في مستقبله؟
في الحقيقة هناك من استطاع أن يتغلّب على ظروفه الصعبة وطفولته البائسة، فيصل بعد ذلك كله إلى غايات وأهداف لم يستطع غيره ممن توّفرت لهم كل الظروف بلوغها، وقد أثار انتباهي، في هذه النقطة بالذات، اللاعبون المشهورون، البرتغالي كريستيانو رونالدو، والأرجنتيني ليونيل ميسي، اللذين تنافسا كثيراً على لقب أحسن لاعب كرة القدم في العالم، بل استطاعا أن يجعلا العالم نصفين لكلّ منهما نصف، والغريب أنّ طفولتهما كانت صعبة، ولولا تحفيز بعض الأندية ودعمها، لما كان لهذين اللاعبين شهرة حتى في مدينتيهما، والشأن نفسه بالنسبة لمجموعة من العلماء والفنانين والراضيين، ممن تولوا في آخر حياتهم مهمة قيادة العالم، والتأثير فيه بشكل من الأشكال.
والغريب أنّ أغلب من أثروا في العالم، خصوصا في الآونة الأخيرة هم من الغرب، مع العلم أنّ الظروف الصعبة التي يعيشها الأطفال في الحضارة الغربية أقل بكثير مما يعيشه الطفل العربي، وهو ما يطرح تساؤلا آخر: لماذا لم يكن عندنا، نحن العرب، لاعب مثل رونالدو أو ميسي؟ ولماذا لا يصل أطفالنا ممن عاشوا طفولة صعبة إلى ما وصل إليه الآخر في الحضارة الغربية؟
ما يجعلنا أمام ضرورة إعادة النظر في الحقيقة التي أشرنا إليها في البداية، هو هذا التناقض الكبير، من خلال نماذج في الغرب من جهة، ووضع العرب من جهة ثانية، والحق أنه لو كانت ظروف الطفولة الصعبة كافية لصناعة القادة والأعلام، لكانت العرب سيدة العالم، ولوجدنا في مختلف الدويلات العربية عشرات النجوم في كرة القدم، بل في كل المجالات، ولما اعتبرنا أحداً من خارج أوطاننا، بل الأكثر من ذلك، لما استطاع ميسي ورونالدو التنافس معنا حول الألقاب، فطفولتنا نحن كذلك لم تكن أحسن من طفولتهما.
العائق الذي حال بيننا وبين النجاح، يا معشر أبناء أمتنا، هو افتقارنا أولئك الذين يجعلون حياتهم لمساعدة الضعفاء وذوي الظروف الصعبة، أولئك الذين يسخرون كلّ طاقاتهم لصناعة الأبطال، وتغيير وجهات الأطفال، وتصويبها نحو قيادة الإنسانية على هذا الكوكب، فإذا استطاع الآخر أن يجعل من بعض الأطفال ممن عاشوا طفولة صعبة، نجوماً اشتهروا في كلّ البقاع، فإنّنا نحن لم نستطع، بل الأكثر من ذلك، نحوّل إعلامنا إلى لا شيء، فكيف بنا أن نصنع من لا شيء أعلاماً؟
غير بعيد تداولت مختلف المواقع مقولة تجيب عن هذه التساؤلات، أو بالأحرى هي الزبدة التي يمكن أن نستخلصها من هذا النقاش، والسبب الذي ينبغي أن نقف عنده، إذا رغبنا في تغيير ما بنا من آلام وجراح.
هم يساعدون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحاصر الناجح حتى يفشل، والنتيجة التي نستخلصها بشكل منطقي، ولا مفر لنا منها أمام هذا الواقع، هي نجاحهم جميعاً، وفشلنا نحن جميعاً، وهذا بالفعل حالنا، الذي نعيشه من دون خوف ولا خجل، فرونالدو وميسي لم يكونا معجزتين ولا ساحرين، ولم ينزل عليهما وحي من السماء، إنما الذي صنع منهما أبطالاً في ذلك المجال، هي عقلية الغرب القائمة على إنجاح الفاشل وتشجيع الناجح في نفس الوقت، وهذه الحقيقة هي كلّ ما في الأمر، فليهدأ الجميع بعد هذه النكسة، ولتبكي شعوبنا على جهلها وتخلفها بعد هذه الأزمة.
يولد الأبطال ولا يُصنعون، لكنهم يولدون في واقع يقبلهم كما ولدوا، ويأخذ بأيديهم إلى العلى ويساعدهم، ولا يولدون في واقع لا يؤمن بوجودهم، ولا يعترف لهم بحق من الحقوق، فكيف به التفكير في مساعدتهم وتحفيزهم؟
الفرق بيننا وبينهم في الأخذ بالأسباب واضح، والفرق بيننا وبينهم في النتائج أوضح.
مصطفى العادل
مصطفى العادل
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل