جمهورية ماكرون.. فرنسا الجديدة

جمهورية ماكرون.. فرنسا الجديدة

20 مايو 2017
+ الخط -
مع أنه كان وفقاً لكثيرين "خياراً سيئاً" حتماً، لكنه أفضل من "الخيار الأسوأ" المتمثل بمارين لوبان، إلا أن الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، مؤهلٌ، أكثر من غيره، لقيادة فرنسا في "جمهورية سادسة"، تتعدّد فيها الأجنحة السياسية غير التقليدية. ومن راقب ماكرون في أثناء احتفال التسلّم والتسليم مع سلفه الرئيس فرانسوا هولاند، يوم الأحد الماضي، لاحظ أن نظراته لا توحي بأنه "حقق حلماً بوصوله إلى قصر الإليزيه"، بل بدت أقرب إلى شخصٍ يريد الانتهاء من الاحتفالات لمواصلة عمله.
لا يعني هذا أن ماكرون يريد "الاستعجال" لإنقاذ تدهورٍ ما في بلاده. بالتأكيد لا، بل باشر العمل لأجل استكمال مسارٍ سياسي جديد له، ركيزته الأساسية خارجياً "التحالف مع ألمانيا أوروبياً"، وداخلياً "ترسيخ قوة الخيار الثالث البعيد عن اليمين واليسار التقليديين". ولا يمكن تحقيق تلك الثنائية بمعزلٍ عن الأخرى، خصوصاً أنهما مضطرّان للتماهي. النجاح الداخلي محفّز للنجاح الخارجي، والنجاح الخارجي سينعكس حتماً على الداخل.
"في 7 مايو /أيار بالتأكيد هناك امرأة ستحكم فرنسا، أنا أو السيدة (المستشارة الألمانية أنجيلا) ميركل". كلام حاولت به لوبان الإيحاء بأن ماكرون "خاضع لسطوة ميركل"، لكنها أصابت في الجزء المتعلق بألمانيا. في الواقع، قد يكون ماكرون الرئيس الفرنسي الأول الذي يريد رفع مستوى العلاقات بين برلين وباريس إلى أكثر من مجرد لقاءاتٍ تقليدية، وفي اختياره أعضاء حكومته، يوم الأربعاء الماضي، ظهر ارتباط خمسة وزراء على الأقل بألمانيا، مهنياً ودراسياً، ما يكشف مدى رغبة الرئيس الفرنسي في تحقيق التطور مع الألمان. بالطبع، يراهن ماكرون على نجاح ميركل في الانتخابات التشريعية في ألمانيا في 24 سبتمبر /أيلول المقبل، وهو أمر يبدو "سهلاً"، بفعل الانتصارات الصغيرة التي حققتها المرأة الحديدية في ألمانيا، في انتخابات محلية في مقاطعات عدة أخيراً.
سيدفع التعاون مع الألمان ماكرون إلى تبنّي مواقف شبيهة مثلهم في الملفات الدولية، سواء في أوكرانيا أو سورية أو الملف الكردي أو تركيا. وأيضاً سيكون على الأرضية نفسها مع الألمان في شأن العلاقة مع البريطانيين والأميركيين والروس. هذا لا يعني أن الرجل "تابع" لميركل، بل إنه يريد انتهاج الخطوة التي "تحمي" الكيان الأوروبي من التفكّك، وتحوّله إلى دول متناحرة في وسط يتسيدّه الروسي والأميركي والصيني، الآتي من بعيد باسم "طريق حرير" جديد.
وفي الداخل، سيكون ماكرون "اليميني" الأقرب إلى اليسار واليساري الذي يعشقه اليمينيون. أيضاً ظهر ذلك في تشكيل الحكومة، مع تخصيص نصف مقاعدها للمجتمع المدني. تلك الحكومة، وفي مهلة قصيرة ضمناً، ستعكس الصورة الحقيقية لعهد ماكرون، على أن يتم تثبيت ذلك في الانتخابات التشريعية الفرنسية الشهر المقبل، والمفترض أن يؤمن ماكرون خلالها أكثرية نيابية، بالتحالف مع أحزاب عدة، بغية تعبيد الطريق لعهده للسنوات المقبلة.
الأهم أن ماكرون سينجح في ذلك، لاعتباراتٍ عدة، تبدأ من أن اليمين المتطرّف في فرنسا لن يتمكن من إعادة لملمة نفسه قريباً، وإن فعل ذلك، سيكون قد فاته القطار، لكونه خسر "فرصة عمره"، بفشله في الفوز بالانتخابات. أما التشتت اليساري فسيزداد تفكّكاً، خصوصاً أن الاشتراكي ينحر نفسه ببطء. كما أن الرئيس الفرنسي، وعبر تطعيم حكومته وخطابه السياسي، بمفرداتٍ يمينيةٍ ويسارية، كما فعل في أثناء الحملة الانتخابية، قادر على أداء دور يلغي فيه أي تأثيراتٍ للتقليديين، أو إمكانية عودتهم بشكلهم القديم إلى السلطة.
سيكون ماكرون "شيئاً جديداً" في فرنسا. تلك الحتمية تحتاجها البلاد، من حينٍ إلى آخر، في لحظاتٍ تاريخية محدّدة، من نابوليون بونابرت إلى شارل ديغول والآن ماكرون. ومع ارتباط اسمي نابوليون وديغول بالانتصارات والانكسارات العسكرية في الجمهوريتين الأولى والخامسة على التوالي، إلا أن عهد ماكرون سيُعلن جمهورية سادسة في فرنسا، لن تشبه أياً من الجمهوريات السابقة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".