موسم الضحك

موسم الضحك

17 مايو 2017
+ الخط -
أعترفُ بأنّني وقعت ضحيةَ أحدِ البرامج الكوميدية (الكاميرا الخفية). كان الممثلُ صديقي وزميلي في العمل، نصب كاميراته خلفَ الأشجارِ وألواحِ الزجاج، ويبدو المشهدُ غريباً وليس مألوفاً، فعندما تجد نجاراً وحداداً يعملان في ساعةٍ مبكرةٍ في فناءِ الفضائيةِ التي أعمل فيها، فإن الأمرَ مستغربٌ! ولكن، ما إن دخلت حتى بدأ الصراخ من الممثلِ بأنّ لوح القص (شفرة الديسك)، قد تغلغلت بين أصابعِ يدِه، حاولت أن أساعدَه بعد أن طلبت الإسعافَ، وأحضرت حبلاً كان ملقى على الأرضِ لوقفِ النزيف من يدِه إلا أنه عاجلني بالضحك، قائلا :"أنت مش ملاحظ أنه ما في دم ينزف من يدي"، أيقنت بعدها أنني وقعتُ في فخ الكاميرا الخفية.
في غزةَ، لنا موسمٌ نضحكُ فيه، وهو شهرُ رمضان المبارك، حيث تعجُ الفضائياتُ العربية والفلسطينية بالتحديدِ ببرامجِ الترفية على شاكلةِ برنامج الكاميرا الخفية وغيرها، ينتظرُ الناسُ في شهرِ رمضان الابتسامةَ والضحكةَ المفقودةَ طوالَ العام، فقد أنهكتهم تفاصيلُ الوطنِ الجريح من الوريدِ إلى الوريد، أزمةٌ تتلوها أزمة وحصارٌ يتبعه حصار، فلا كهرباءَ ولا ماءَ ولا تفاصيل حياة ترقى للآدمية.
صناعةُ الابتسامةِ في غزة تعاني هي أيضا فلا إمكانات متعدّدة متاحة أمام صانعي الابتسامة، غير أنّهم يجيدون التمثيلَ والتهويلَ في الأحداثِ، من أجلِ رسمِ الابتسامةِ على شفاهِ المشاهدين، إلا أنّ عاملين عديدين في تلك البرامجِ يتعرّضون لانتقاداتٍ كبيرة، لأنّ بعضَ الأعمالِ تعتمدُ على الترهيبِ والتخويف والتهويلِ من أجل صناعةِ الابتسامة، إلا أنّ ذلك يكونُ أيضاً مثيراً للضحك.
سعادةُ جمهورِ البرامج الفكاهية والترفيهية لا يمكن أن توصفَ وهم يصطفون حول شاشةِ التلفزيون، ينتظرون "بطل الضحك"، إلا أنّ تلك السعادةَ تغادرُهم بعد لحظاتٍ من زحمةِ الأخبارِ التي "تسد النفس"، فنحن مقبلون على شهرِ رمضان وهناك عشرات الآلافِ من الأسرِ تنتظرُ الأخبارَ التي تسعدُها عن انتظامِ وصولِ الكهرباء إلى منازلهم، حتى يتمكّنوا من رؤيةِ الحلقةِ المقبلة من برنامجِهم الكوميدي.
تبدأ صناعةُ قوالبِ الضحك في مجتمعٍ محبط يعيشُ الحصارَ، متدرّجاً بين اللونِين، الرمادي والأسود، وصولاً إلى حقائق أنّ نسبةَ الذين يضحكون في المجتمعِ يُعدون على أصابعِ اليد الواحدة، إذ كيف نضحكُ ونحن نعيشُ على أعتابِ مئوية وعد بلفور المشؤوم؟ كيف نضحكُ ونحن نعيشُ في رحابِ الذكرى الـ69 للنكبةِ الفلسطينية؟ كيف نجدُ طعماً للضحكِ، ونحن نعيشُ انقساماً سياسياً وجغرافياً وفكرياً فلسطينياً؟ كيف نعيشُ تفاصيلَ الضحكاتِ البريئة، ونحن أمام حالةِ المجهولِ السياسي وطريقِ اللاعودة؟
من المثيرِ أن يبدأَ موسمُ الضحكِ هذا العام ولم تعلنْ القنواتُ التلفزيونيةُ عن مضمونِ برامجِها الكوميدية، أهي نسخةٌ مكررةٌ للأشخاصِ أنفسهم كلَّ عام، أم هناك صناعة جديدة وبضاعة يريدُ مروجو الابتسامةِ تصديرَها للمجتمعِ الفلسطيني، كي ينسى ولو الشيءَ القليل من همومِه اليوميةِ المتعدّدة؟
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)