لا تصدّقوا ترامب ولا أميركا

لا تصدّقوا ترامب ولا أميركا

16 مايو 2017
+ الخط -
أيامٌ ويحل رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، ضيفا على ديار العرب، وسيكون على موعد مع قمم ثلاث، سعودية وخليجية وإسلامية، في إطار جهوده لتدشين عهدٍ جديدٍ، يختلف عن عهد سلفه باراك أوباما، الذي انطبق عليه فعلا قول الشاعر العربي: يُعطيك من طرف اللسان حلاوةً.
فبعد أن حل أوباما، في سنته الأولى من الرئاسة، في ديار العرب، وتحديدا القاهرة، وألقى هناك خطابا ناريا عن العلاقة المميزة التي يجب أن تسود بين أميركا وحلفائها العرب، عاد إلى بيته الأبيض، ليبدأ مرحلة التهيئة لاتفاق نووي مع إيران، باع من خلاله حلفاءه العرب.
واليوم، يأتي السيد ترامب محملا بجملةٍ من التغريدات التي هاجم فيها إيران، وبضعة تصريحات تلفزيونية، لعدد من قادته ومسؤوليه، معتبرين طهران الدولة الأولى لرعاية الإرهاب، كما أن ترامب سبق زيارته إلى ديار العرب بجملةِ قراراتٍ رفع بموجبها بعض قيود بيع الأسلحة التي كان قد فرضها سلفه، وأرقام الصفقات التي تحققت مليارية، لا تدركها الأرقام حتى.
وقبل أن نضع بيضنا في سلة السيد ترامب، كما سبق وأن وضعناه في سلة السيد أوباما، علينا أن نتمهل قليلا، وألا نسارع ببيع المواقف وبيع الأوهام لعموم الشعب، ونعيد عليهم ترديد سيمفونية أن أميركا ترامب غير أميركا أوباما، وكأن من يدخل البيت الأبيض هو من يسير الأمور.
علينا ألا نبيع الوهم لشعوبٍ ذاقت الأمرّين، منذ تخلت الأمة عن ذاتها، وباتت تعيش على وعد هناك وآخر هناك، علينا أن ننتظر ما يمكن أن يفعله ترامب، قبل أن نشتري منه السلاح، وندبّج في مدحه هاشتاقات الشكر.
اليوم أمام السيد ترامب طريق واضح إن كان فعلا يريد أن يكسب، ليس صداقة العرب وشعوبها، وإنما حربه على الإرهاب، وهذا الطريق يتلخص أولا بقطع ذراع إيران في المنطقة. صحيح أن ترامب وفريقه في البيت الأبيض باعونا كثيراً من هذه التصريحات، ولكن الأفعال ما زالت غير واضحة، ولا تكاد تُرى بالعين المكبرة، وليس المجرّدة.

ولعلنا نسوق مثالا قريبا، فعلى الرغم من الوعود المعسولة التي أعطاها ترامب وفريقه لتركيا، إلا أن هذه الإدارة عادت وزوّدت مليشيات كردية سورية، تتبع لحزب العمال الكردستاني، بأسلحةٍ ثقيلة، من دون مراعاة لأي اعتبار لعلاقتها مع أنقرة، ولا حتى للقوانين الأميركية التي تحظر توريد السلاح إلى أي منظمةٍ إرهابية، ومعلوم أن حزب العمال الكردستاني مصنف إرهابيا في أميركا، كما هو في تركيا، والحديث عن عدم وجود ربط بين هذا الحزب والمليشيات الكردية في سورية ضحك على الذقون، تعرفه أميركا قبل غيرها.
نسمع كثيرا من التصريحات المتفائلة بشأن حقبة ترامب، فقبل أيام جمعني لقاء مع شخصية عراقية سنية رفيعة، كانت في جولةٍ في الولايات المتحدة، والتقى هناك مسؤولين عديدين، حيث تحدث الرجل عن خطط فعلية لدى إدارة ترامب، للحد من نفوذ إيران في العراق. وطبعا سمعنا مثل هذا الكلام من وزراء عرب وشخصيات مسؤولة، عربية وغير عربية. ولكن، ما الدليل؟
في العراق، على سبيل المثال، لم يقدم ترامب أي دليلٍ على جديته بالحد من نفوذ إيران. نعم، ربما يبدو الأمر معقدا أكثر مما نعتقد، فإيران، وعبر عقد، بنت لنفسها نفوذا يصعب على ترامب أن يحدّ منه من دون خسائر، قد تكون كبيرةً، ليس على أميركا وحدها، وإنما أيضا على العراقيين.
كما أن إيران اليوم تملك في العراق أكثر بكثير مما تكلمت عنه أميركا التي احتلت البلد قبل 14 عاما، وباتت ذراع إيران أقوى مما قد تتخيله طائرات واشنطن وقاصفاتها وبوارجها، وطبعا ما كان ليتم ذلك كله لولا ذلك التواطؤ المكشوف والحقير بين واشنطن وطهران.
لم يكن في وسع إيران أن تتمدّد وتتوغل في عالمنا العربي، لولا الولايات المتحدة التي سهلت وساهمت في هذا الانتشار والتوغل، ولا تصدّقوا أن ذلك تم بدهاء الإيرانيين وخبثهم، وغفلة الأميركيين، كما يحاول أن يروّج بعضهم، وإنما بتواطؤ مكشوف، لا لبس فيه وما صرح به سفير واشنطن في بغداد، زلماي خليلزاده، خلال سني الاحتلال، دليلٌ على ذلك، فقد قالها الرجل إن بلاده كانت تنسق مع إيران منذ سنوات قبل الغزو الأميركي للعراق الذي وقع عام 2003.
أما الوجود الإيراني في سورية، فالجميع عرف كيف أن خطوط أوباما الحمراء سهلت ليس دخول الإيرانيين في سورية وحسب، وإنما أيضا الروس وحزب الله، وطبعا مزيدا من استخدام السلاح الكيمياوي الذي استخدمه الأسد ضد شعبه.
المجمل، أميركا هي المسؤولة عن تغلغل إيران، وهي المسؤولة عما تعرّضت له المنطقة من مجازر على يد مليشيات إيران منذ 2004، وهي مسؤولة عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا ما جاءت لتحارب إيران كما تدّعي، فهي تحارب نبتتها السيئة التي غرستها في المنطقة، كما غرست من قبلها بريطانيا نبتة إسرائيل قبل مئة عام ونيف.
عمل الإعلام الغربي، وما يزال، على توصيف الإرهاب بأنه إسلامي سني، ولم يتطرق إلى الإرهاب الشيعي، علما أن الأخير أخطر بكثير كونه إرهابياً مؤسسياً منظماً، تقوم به دولة عبر مؤسسات حكومية وقوات شبه عسكرية، غير أن الإعلام الغربي لم يصنف ما تقوم به إيران إرهابا.
إنها دعوة إلى كل القادة والزعماء العرب والمسلمين، ممن سيحضرون قمة ترامب، لا تصدّقوا وعود ترامب، ولا تصدّقوا وعود أميركا، فهي كما، في كل مرة، ستبيعكم الوهم، وإذا كان لا بد فعليكم أن تطالبوا ضيفكم بخطواتٍ ملموسة للحد من إرهاب إيران ومليشياتها.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...