جيشٌ محايدٌ وطبقة سياسية حائرة

جيشٌ محايدٌ وطبقة سياسية حائرة

16 مايو 2017

ورد للجيش التونسي في أثناء الثورة (21/1/2011/فرانس برس)

+ الخط -
عاد الجدل في تونس بشأن دور الجيش في حماية الانتقال الديمقراطي. والسبب قرار رئيس الجمهورية دعوة المؤسسة العسكرية إلى حماية المؤسسات الاقتصادية، ومنع تعطيل الإنتاج.
انقسم السياسيون ونشطاء المجتمع المدني بين مؤيد للقرار بحماس ومناهض له بشدة، فالذين ساندوه رأوا فيه إجراء ضروريا لإنقاذ الثروات الوطنية، بعد أن استفحلت ظاهرة لجوء المحتجين إلى إيقاف مؤسسات اقتصادية كبرى واستراتيجية عن العمل فترات طويلة، ما فاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس منذ قيام الثورة. في المقابل، اعتبر المعترضون أن إقحام الجيش في مواجهة المحتجين مسألةٌ خطيرة، وخطوةٌ غير مقبولة نحو عسكرة البلاد، والحدّ من الحريات والتعدّي على الحق في الإضراب، وفي الاحتجاج السلمي، ما يهدّد الديمقراطية الناشئة في تونس.
يتمتع الجيش بثقة التونسيين، وهو ما أثبتته استطلاعات الرأي المتتالية. ما يعود إلى الدور التاريخي الذي قام به العسكريون في تأمين الثورة وحماية المسار الانتقالي، والتصدّي لمن رفعوا السلاح في وجه الدولة، بغرض إسقاطها. كما أثبت الجيش حياده الكامل تجاه التجاذبات السياسية والحزبية. وخوفا على مكانة الجيش، عبّرت أطرافٌ عديدة، بما في ذلك منظمات حقوقية، عن خشيتها من أن يؤول الأمر إلى وضع العسكر في مواجهة الشعب، عندما يتم المس بالحق في الاحتجاج، عبر اللجوء إلى استعمال القوة، وربما سقوط ضحايا في صفوف المدنيين من المحتجين. عندها ستهتز مكانة الجيش، وتصبح الديمقراطية في خطر.
قرار اللجوء إلى الجيش جريء وخطير في الآن نفسه، فتكرار اعتماد السياسيين على المؤسسة العسكرية ليست ظاهرة صحّية، وقد تحمل في طياتها مخاطر عديدة من شأنها أن تؤدي، في النهاية، إلى المساس بالنظام الجمهوري وبمدنية الدولة. ولهذا السبب، اضطر وزير الدفاع، وهو شخصية محايدة وأستاذ جامعي مختص في القانون الدستوري، إلى التدخل لتأكيد أن "الجيش الوطني ملزمٌ بالحياد التام، ودوره يضبطه الدستور وقوانين البلاد، وليس من مهامه التدخل في الشأن العام أو التعامل مع المحتجين أو التصادم معهم، إلا في حالات التهجم على أفراده وتهديد سلامتهم وسلامة المنشآت التي تحت حمايتهم، وذلك بالتدرج في استعمال القوة في إطار القانون".
إنه اختبار جديد للعسكريين التونسيين الذين هم أبناء الشعب، وحماته. ولم يوجدـ إلى حد هذه اللحظة، أي مؤشر عن وجود رغبة ظاهرة أو دفينة في القيام بأي دور سياسي، على الرغم من تكرار الاعتماد على الجيش طوال المرحلة الانتقالية. بقي الجيش كالقطار لا يلحق الضّرر إلا بمن يخالف القانون، ويقف على سكة الحديد المخصصة له. لكن، على الرغم من ذلك، على السياسيين أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يعالجوا المشكلات السياسية بوسائل سياسية، فالجيش يساعدهم على حماية الدستور والمؤسسات، لكنه لا يمكن أن يتحول إلى أداةٍ لتغطية فشلهم، أو أن يستعمل لتخويف فاقدي الحقوق الأساسية.
تكمن المشكلة في وجود حلقةٍ دائريةٍ، لا بد من كسرها، حتى ينطلق التونسيون نحو أفق أرحب. هناك أزمة اقتصادية حادة. وككل الأزمات، تتصاعد احتجاحات أصحاب الحق وضحايا المرحلة، وعندما تعجز الأحزاب الحاكمة عن وضع سياساتٍ قادرة على التغيير، تتسع دائرة الغضب، ويقع اللجوء إلى مختلف الوسائل للاحتجاج، بما في ذلك تعطيل الدورة الاقتصادية، وهو ما يجعل عددا قليلا من المحتجين في مقدورهم شل شركات كبرى وحيوية فترات طويلة، وهو ما كلف الاقتصاد التونسي الكثير، ودفع الحكومات المتعاقبة نحو إثقال تونس بديون خارجية رهيبة.. هنا، يصبح الخطر جاثما بقوة، ما يدفع إلى التساؤل عن غياب الدولة. وعندما يقرّر المسؤولون اللجوء إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، لتطبيق القانون وإنقاذ الاقتصاد، يرتفع منسوب الخوف على مصير الحريات والديمقراطية.
تتمثل الحلقة المفقودة في الحالة التونسية في غياب توافق وطني حول اختيارات اقتصادية واضحة، يتحمّل الجميع مسؤولية الدفاع عنها، حتى يتم إخراج البلاد من المأزق. وفي غياب ذلك، سيستمر الصراع، وستبقى تونس عرضةً للمخاطر، وسيستمر الالتجاء إلى الجيش.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس