الأسرى في ميزان السلطة

الأسرى في ميزان السلطة

14 مايو 2017
+ الخط -
منذ انطلاق إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والذي اقترب من إتمام شهره الأول، لم يخرج موقف واضح من السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، ما يوحي بأن السلطة تقف خلف الإضراب وتتبنى مطالب الأسرى وتجهد للضغط باتجاه تحقيقها. ما ظهر كان تصريحات عامة من مسؤولين فلسطينيين، على مستويات رسمية متدنية، تدعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بدوره لتخفيف معاناة الأسرى، غير أن مثل هذه المطالبات يمكن أن تصدر عن أي مسؤول عربي أو أجنبي يتعاطف مع القضية الفلسطينية، إلا أنها من غير المنطقي أن تأتي ممن يفترض أنهم أصحاب القضية أنفسهم.
ولم يعد خافياً القول إن السلطة ورئيسها لم يكونا راضيين في الأساس عن الإضراب، ولم يشجعا عليه، بل على العكس كانت هناك محاولات لعرقلته، وهو ما تبدّى من العدد المتواضع لعدد المضربين في بداية الحراك، إذ لم يتعد الـ 700 أسير من أصل نحو ستة آلاف في السجون الإسرائيلية. جاء هذا العدد بعدما تسللت الانقسامات الفلسطينية إلى داخل الحركة الأسيرة، سواء بين حركتي فتح وحماس، أو داخل "فتح" نفسها، بعدما عمد جزء من الحركة إلى محاولة إفشال الإضراب الذي دعا له القيادي الأسير في الحركة مروان البرغوثي.
غير أن نجاح الإضراب نسبياً، وانضمام أسرى آخرين إليه، دفع السلطة إلى التعامل بشكل مختلف معه. لم تدعمه بشكل مطلق، واكتفت بعبارات التضامن، إلى أن جاء لقاء الرئيس الفلسطيني مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، والذي خصص خلاله سيد البيت الأبيض طلباً مباشراً خاصاً بالأسرى الفلسطينيين وتعامل السلطة معهم، داعياً إلى وقف دفع الرواتب لهم، ضمن بوادر "حسن النية" التي تطلبها الإدارة الأميركية من السلطة الفلسطينية للدفع باتجاه العملية السلمية.
لم يلق الطلب الأميركي آذاناً فلسطينية صاغية، على الأقل إلى الآن. لكن، يبدو أنه دفع إلى مزيد من الحذر في التعامل مع قضية الأسرى، وخصوصاً مسألة الإضراب عن الطعام. وقد تبدّى هذا الأمر في حادثة بيان مركزية "فتح"، والذي كان دعا أسرى الحركة إلى الالتزام في الإضراب عن الطعام والانضمام إلى المضربين، قبل أن تعمد الحركة إلى سحب البيان والتراجع عنه.
روايات كثيرة صيغت لتبرير هذا التراجع، منها عدم اكتمال نصاب اللجنة المركزية لحظة إصدار البيان، وبالتالي، فهو يفتقد إلى الإجماع. رواية صحيحة جداً، لكن الإجماع هنا ليس من أعضاء المركزية أنفسهم، بل ربما من القيادة الفلسطينية الحالية، ولا سيما أن البيان يشكل نقيضاً لما هو مطلوب أميركيا، والذي بدأت تتضح معالمه بشكل أكبر عبر التسريبات الإسرائيلية اليومية. وهذه تفيد بأن ما تم التفاهم عليه بين أبو مازن وترامب، أو ما تم طلبه من الرئيس الفلسطيني الزائر، يتجاوز مسألة الأسرى وإضرابهم عن الطعام، إلى ما هو أكبر، ولا سيما مسألة ضبط الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية. آخر هذه التقارير كان ما نشره موقع "والاه" الإخباري، أمس السبت، واستند إلى مصادر أمنية إسرائيلية وفلسطينية، كشفت عن أن أجهزة السلطة الأمنية تقوم حالياً بحملة واسعة في أرجاء الضفة الغربية لتحقيق ثلاثة أهداف: جمع السلاح من كل الأشخاص الذين لا يعملون في الأجهزة الأمنية، إلى جانب شن عمليات اعتقال واسعة ضد نشطاء حركة حماس، والقيام بإجراءات أمنية تحول دون حدوث احتكاكات بين الشباب الفلسطيني وقوات الاحتلال، خصوصاً في أثناء الاحتجاجات الجماهيرية الفلسطينية المساندة لإضراب الأسرى والمناوئة للأنشطة الاستيطانية.
معطياتٌ، إذا ما تمت إضافتها إلى ما سبق بخصوص بيان "فتح" ومساعي ضرب الإضراب قبل ذلك، لا تؤشر فقط إلى أن الأسرى خارج حسابات السلطة، بل تراهم عناصر عرقلة لـ "التفاهم" الغامض بين عباس وترامب.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".