وثيقة حماس.. الحقيقة والصدى

وثيقة حماس.. الحقيقة والصدى

12 مايو 2017
+ الخط -
خرجت علينا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوثيقة من 42 بنداً، فيها خلاصات وأفكار سياسيّة وأيديولوجيّة، هي نتاج تجربة ثلاثين عامًا، أكثر ما أثار جدلاً واسعًا فيها، هو البند 20 الذي اعتبرت فيه أنّ إقامة دولة مستقلة على حدود الـ 67 "صيغة توافقيّة وطنيّة مشتركة"، ما أثار حفيظة حركة الجهاد الإسلامي، إذ اعتبر نائب أمينها العام، زياد نخّالة، أنّ شعور المقاومين أصيب بالخدش، مبدياً اعتراضه على اعتبار القبول بدولة فلسطينيّة على حدود ال67 صيغة توافقيّة.
وبالعودة الى أدبيّات حركة حماس، نجد هذا الطرح تم التمهيد له منذ فترة بعيدة، ليس عبر وثيقة مكتوبة ومعلنة، بل عبر تصريحات ومبادرات، فقد ذكر خالد الحروب في كتابه "حماس الفكر والممارسة" أنّ محمود الزّهار، (ولم يكن وقتها قيادياً في حماس بل مقرباً منها) في مارس/ آذار عام 1988 قدّم مقترحاً، يتضمّن إعلان إسرائيل نيّة الانسحاب من الأراضي التي احتلّت عام67، بحيث توضع الأراضي المحتلة وديعة في يد الأمم المتّحدة، على أن تبدأ بعدها المباحثات بين الطرفين بشأن النقاط المتعلقة بالحقوق كافة، إلا أنّ هذا المشروع لم يحظ بالاهتمام. وفي 1993 نقلت صحيفة الرأي الأردنيّة تصريحاً لمحمد نزّال أعرب فيه عن استعداد الحركة للقبول بالحل السلمي مقابل انسحاب إسرائيل من أراضي الـ 67.
تظهّر الموقف من دولة الـ 67 بعد سنوات عديدة في العام 2012، في مؤتمر "الإسلاميون في العالم العربي والقضية الفلسطينية في ضوء التغيرات والثورات العربية" الذي عقده مركز الزيتونة في بيروت، بحيث قدّم خالد مشعل ورقة اعتبر فيها أنّ القبول بدولة بحدود العام الـ 67 من مقتضيات توحيد الموقف الفلسطيني والعربي، مع عدم التفريط بأي حق أو جزء من فلسطين.
وفي مذكرة أصدرها مركز الزيتونة تحت عنوان "حماس قراءة وتقييم التجربة" في 2013 للدكتور موسى أبو مرزوق، اعتبر أنّ قبول حماس دولة بحدود الـ 67 لا يتشابه مع موقف حركة فتح، فحماس لا تعترف بإسرائيل، ولا تقبل بالمستعمرات.
إذاً، ليس مستغرباً أن تصدر حماس بوثيقتها هذا البند، لكنه خرج بوثيقة سياسيّة مكتوبة تتبناها حركة حماس، وتمثل رؤية وخارطة سياسية واستراتيجية معلنة تحاسب عليها، وتطالب بتنفيذها، متجاوزة تصريحات قادة حماس من هنا وهناك. وقد دعا مشعل، في مقابلة مع قناة "سي إن أن" الإدارة الأميركيّة إلى تلقّف هذه الوثيقة والتعامل معها بإيجابيّة.
وقد مزّق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتيناهو، وثيقة حماس، وألقى بها في سلّة المهملات، في رسالة واضحة منه أنّ المطلوب من "حماس" يتعدى ما في الوثيقة، وأنّ إسرائيل لا تثق بها. في النّهاية حركة حماس هي حركة مقاومة مسلّحة ولا تعترف بإسرائيل.
تلقفت الوثيقة مراكز الدّراسات الأميركيّة والإسرائيليّة، وصنفتها في إطار "الخطاب المعتدل الذي يعطي انطباعًا خاطئا"، فاعتبر ماثيو ليفيت وماكسين ريتش من مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنّ حماس، بعقيدتها وقادتها، لا تشير إلى تغيير في الخطاب، بل يجب الحكم عليها من خلال سلوكها، أما مركز بيغن السّادات، فاعتبر بمقال للبروفيسور إيرن ليرمن أنّ وثيقة حماس الجديدة قديمة، ولا "تستبدل" الوثائق القديمة بل "تكملها"، ولا تشير بإمكانيّة إجراء أي خرق يؤدي إلى نتيجة.
يعطي ما سبق انطباعاً، أنّ "حماس" بنظر الإسرائيليّين بوثيقتها غيّرت جلدها، لا أكثر ولا أقل، ولم يصدر أي تصريح عربي أو دولي حول هذه الوثيقة، خلا الرئيس التركي، أردوغان الذي اعتبر أنها تؤسس للوحدة الفلسطينية.
الحقيقة المرّة فلسطينياً، والتي لا تريد "حماس" الإقرار بها، أنّ هذه الوثيقة غير التوافقيّة بصيغة القبول بدولة على حدود الـ 67 لن يكون مرحّباً بها غربيّاً، ولن تحصد شيئاً ولن يتلقّفها الأميركيون، بل للأسف العرب، بحيث أنّ هذه الوثيقة ستفتح الباب على مصراعيه للضّغط على حماس من المنظومة العربيّة الرسميّة للقبول بحلول ومشاريع لحل القضيّة الفلسطينيّة وتقديم تنازلاتٍ بلا ثمن إسرائيلي حتى، وهي تؤسّس لمرحلة جديدة في العمل السّياسي الفلسطيني، قوامه القبول الضّمني بدولة الاحتلال، وتشكل ضغطًا على بقيّة الفصائل الفلسطينيّة، كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبيّة، وكل من يرفض الحلول السلميّة أو التسوية المرحليّة، وتضعف أيضا التضامن العربي الشعبي، الذي ما زال يرفع لواء تحرير فلسطين من البحر الى النهر، وهي تشجع على العودة إلى نغمة "نرضى ما يرضى به الفلسطيّنيون"، فهل ستقبل البقية الباقية من الشعب الفلسطيني أن نختزل بحركتي فتح وحماس؟
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)