هل وثيقة حماس اعتذار عن انتصاراتها؟

هل وثيقة حماس اعتذار عن انتصاراتها؟

11 مايو 2017
+ الخط -
(1) 

وفق معايير النظام العربي الرسمي، غير مسموحٍ لأحدٍ أن ينتصر، أو أن ينجح، في معركة استرداد الكرامة العربية، ومناجزة العدو، أو في مجال نيل شعبية الجماهير، والفوز في الانتخابات. وعلى من يحقّق أحد هذين النصريْن أن يعتذر عن نجاحه، على الأقل، وإلا فمصيره الحرمان من قطف ثمار نصره، وإن رفض أياً من الخياريْن، فتكسير الرأس في انتظاره.
من المهم أن تنتصر في معركةٍ ما، لكن الأهم أن تحوّل نصرك إلى إنجازاتٍ، تقطف ثمار هذا الجهد. المفارقة البليغة حد الفجيعة هنا أن ثمّة أناساً قادرون على تحويل هزائمهم إلى انتصاراتٍ وهمية، وفي الوقت نفسه، يحولون انتصارات الآخرين إلى هزائم، بحرمانهم من قطف ثمار نصرهم.
(2)
في عرف سوق بنات الليل، تكره المتورّطة ببيع جسدها أن ترى بنتاً شريفةً عفيفة، وتتمنى من أعماقها أن تتحوّل بنات جنسها إلى بائعات هوى، كي يتساوى الجميع، "وفش حدا أحسن من حدا".
ثمّة ظواهر نبيلة في حياتنا نحن العرب، "تُحرج" المتعففين عن النبل، الوالغين في الطين، حتى أن من يحقق شيئا من الانتصار تتكالب عليه القوى من كل جانبٍ، لتحويل انتصاره إلى هزيمة، بحرمانه من قطف ثمار تعبه. هذا ليس مبرّراً للتوقف عن محاولة الانتصار، بل هو سببٌ إضافيٌّ للباحثين عن الكبرياء والكرامة أن يتشبثوا بخيار المقاومة، أعني مقاومة الهزيمة والامتثال لمشيئة العدو، أي عدو.
أعداء النجاح موجودون بكثرة، وطلاب اعتذارهم عن هذا النجاح أكثر منهم، فهم أكثر من الهمّ على القلب، بل إن جهد الوصول إلى النجاح يقلّ أحيانا عن الجهد الذي يبذله الناجح، وهو يدافع عن نجاحه، وأحقيته في تحقيقه. ومع هذا، لا يكف الناجحون عن النجاح، ولا يحسبون حساب المتربصين بهم، كي يعتذروا عن نجاحهم.
(3)
لم يتعرّض فعلٌ نبيل في حياة الأمة لتشويهٍ وتدميرٍ وتحقيرٍ وتتفيه، كما تعرّض ما دعي الربيع 
العربي، باعتباره سبباً لجلب الخراب وإراقة الدماء. وينسى هؤلاء، أو يتناسون، أن السبب وراء تلطيخ ذلك الفعل النبيل بالطين ليس الربيع، بل مقاومته، كأن من يمتطي هذا التفسير يقول: إياكم أن ترفعوا رؤوسكم، لأن النتيجة ستكون الخراب، وهذا فخٌّ وقع فيه كثير من المحللين (والمحرّمين أيضا!) والكتّاب الذين يرون أن وراء كل فعل في بلاد العرب مؤامرة كونية.
شبيهٌ بما آل إليه الربيع، ثورات وانتفاضات وحروب خاضها مستضعفون وانتصروا، ولكنهم حُرموا من قطف ثمار انتصارهم بكل السبل، وهذا سببٌ كافٍ لكي لا يستسلم أحدٌ لمثل هذه المثبطات، فيختار الركون إلى الأرض والرضى بالظلم، مقاتلو النجاح ومحاربو الانتصار لن يضعوا أسلحتهم الموجهة لطلاب الكرامة، وكذا هو الأمر لمن يقاتل من أجل كرامته، وكرامة أمته. لكن يلزم الفئة الثانية كثيرٌ من الصبر، كي يصبحوا على مستوى قطف ثمار إنجازاتهم.
(4)
كل مشكلة الإخوان المسلمين مثلا، على وجه الخصوص، والاتجاهات الإسلامية على وجه العموم، أنها تفوز في الانتخابات، أيّ انتخابات، ليس لأنها تتمتع بعبقرية منقطعة النظير، بل لأن ما تطرحه يتماهى مع الوجدان الجمعي لجماهير المنتخبين. ولهذا، على هذه الجماعات أن تدفع ثمن "انتصاراتها" مثنى وثلاث ورباع، إسلاميو الجزائر كانوا مثلا يُحتذى في دفع ثمن انتصارهم، والانقلاب على صناديق الاقتراع التي فضّلتهم على غيرهم، تلتهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ثم الإخوان المسلمون في مصر، والأمثلة كثيرة، فالإسلامي الجيد هو الإسلامي السجين، أو المعارض، أو الشهيد، أما المنتصر فمصيره الاعتذار عن نصره أو حرمانه من الاستمتاع بهذا النصر. انتصرت "حماس" في معركتها، أخيرا، مع إسرائيل انتصرت بالنقاط، ولم تنهزم بالضربة الإسرائيلية التي أريد لها أن تكون قاضيةً. حماس انتصرت بالصمود، مثنى وثلاث ورباع، فيما هُزمت جيوشٌ عربيةٌ في كل معاركها مع إسرائيل، (باستثناء نصريْن مشهودين: معركة الكرامة وحرب أكتوبر- رمضان). ومع هذا، غير مسموحٍ لها أن تقطف ثمار نصرها، فكانت الوثيقة إياها، فهل تعيد هذه الوثيقة "تأهيل حماس" لجعلها مقبولةً، وعضواً في نادي الأنظمة العربية الرسمية؟ وقبل هذا وبعده، هل ثمّة من يشتري بضاعة "حماس" في ما يسمى المجتمع الدولي؟ نشك في ذلك.