إلى مروان البرغوثي ورفاقه

إلى مروان البرغوثي ورفاقه

02 مايو 2017
+ الخط -
في كتابها الصادر عام 2009، في فرنسا، "الإضراب عن الطعام"، تفيدنا جوهانا سيميان، العالمة المتخصصة في علم الاجتماع السياسي المتعلّق بالقضايا الإنسانية وسبل الاحتجاج، بعدم وجود علاقةٍ ذات دلالة مهمة بين الامتناع عن الطعام والملمح الثقافي لمجتمع ما أو بعض تقاليده المتعلّقة بالمقدرة على السيطرة على الجسد أو على الذات، فقد كان هذا الفعل قائماً في كل أنحاء المعمورة، وفي كافة الحقب، خصوصاً أن الأديان جميعها تقريباً أشادت بفوائد الصوم، وبالقدرة على الاكتفاء بالقليل. إن الأوضاع المرتبطة باللاجئين، بفاقدي الهوية أو بالمساجين، شهدت كلها حركات إضراب عن الطعام، من دون أن يمهّد الأمر، هنا أو هناك، إلى تأسيس نوعٍ من الذاكرة الجماعية، أو لما يمكن أن يشكّل موروثاً ثقافياً أو حتى تناقلا لمهاراتٍ نضاليةٍ، يمكن الاستناد إليها والاستقواء بها، لمباشرة حركة احتجاجية أخرى.
وعلى الرغم من الاختلاف، أو التناقض الصارخ بين مبادئ ممارسي إضرابٍ قد يلجأ إليه "عنيفون" قدامى مساجين لا يملكون إلا العنف ضد ذواتهم وسيلة احتجاج، أو قد يعتمده من هم ضد العنف تماماً، فإن الكاتبة تجد أن ثمّة سماتٍ رمزية ثابتة يمكن استخلاصها، تجتمع في ثلاثة أبعاد للفهم هي:
أولاً، يسعى المضربُ عن الطعام إلى فضح ما يمارَس بحقه من ظلم. معاناته الجسدية سوف تحرّك الجمهور، مستدعيةً عطفه وتضامنه الإنساني، كما أنها سترمز إلى العنف الذي يمارسه الخصمُ السياسي (الدولة، سلطات الاحتلال، إلخ...) بحقه عندما يسجنه ويمنعه من ممارسة أدنى حقوقه. الهدف هو إذن تأكيد الوجود، وجعل السلطة مسؤولةً عن موت المضرب عن الطعام، إن هي لم تستجب لمطالبه.
ثانياً، ينبغي للعذاب الجسدي الذي يُنزله المضربُ عن الطعام بجسده أن يشهد على صدق التزامه إزاء قضيته وقدرته على المضي قدماً مهما كان الثمن، وأن يكون البرهان على شرعية مطالبه. الخطر الجسدي الذي يتهدّد صحة المُضرب وحياته يشهد على صدقه، وعلى إيمانه الحقيقي القوي بالقضية التي يدافع عنها.
ثالثاً وأخيراً، قد يكون الإضراب عن الطعام وسيلةً لرفض الخضوع للسلطة، أو الاعتراف بها. ذلك هو غالباً موقف السجناء السياسيين الذين استخدموا العنف دفاعاً عن قضيتهم. بامتناعهم عن الطعام وبتعذيب أجسادهم، هم يقولون إنهم ما زالوا يمتلكونها، وهم بهذا يشكّكون بشرعية العنف الجسديّ الذي تمارسه "الدولة" بحقهم. هذه الوسيلة لإعادة امتلاك أجسادهم، ربما استدعت، في بعض الأحيان، ردوداً عنيفة من السلطات، حين تقرّر اللجوء إلى تقنية "التغذية بالقوة".
باختصار، الإضراب عن الطعام اختبار مزدوج، ينبغي من خلاله إثبات صدقنا مرتين: مرة من خلال العذاب الذي نمارسه بحق أنفسنا، وأخرى من خلال التضامن والعطف اللذين نثيرهما لدى أكبر عدد ممكن من الناس؛ مرة حين نثبت التزامنا الحقيقي بالقضية التي ندافع عنها، ومرة حين نبرهن مشروعية قضيتنا تلك..
في السجون الإسرائيلية الآن، 1600 أسير فلسطيني مضربون عن الطعام منذ 14 يوماً، يقودهم الأسير مروان البرغوثي الذي تجهل أسرته مكان احتجازه، كما هي حال محاميه والصليب الأحمر الدولي.
مروان البرغوثي الآن في زنزانة انفرادية. تخشى عائلته قتله في مكان عزله، أو تركه يمضي في إضرابه عن الطعام حتى وفاته. لقد عبّرت إسرائيل أكثر من مرة أنها لا تتمنى موته فحسب، بل تدعو إليه، متأسفةً أنها لم تقم بذلك منذ زمن طويل. قيل إنها فتحت باب المفاوضات مع الأسرى. هي تعرف أنهم لن يساوموا وأنهم يريدون قائدهم مفاوضاً باسمهم. لذا، ستفكّر إسرائيل حكماً: سيصيب البرغوثي مكروه إبّان سير المفاوضات، وسيكون هو من قتل نفسه بنفسه.
تخاف أسرة البرغوثي عليه، محقةً. يخشى رفاقه من الأسرى عليه أيضاً. يخشى عليه شعبه جداً. وأنتم؟ أنتم تخشون عليه كذلك. فعلاً؟ فعلاً؟
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"