وحوش الوطن

وحوش الوطن

05 ابريل 2017
+ الخط -
عندما تمّ تنصيب حكومة عبد الرحمن اليوسفي في مارس/ آذار 1998، علّق مغاربة بسطاء كثيرون، ومن الطبقة الوسطى آمالا كبرى على هذه الحكومة، بناءً على التاريخ النضالي لرئيسها، وعلى الوعود التي أطلقت آنذاك.
كان كثيرون يأملون بانتقال ديمقراطي سليم وسلمي، واستمر معه الحلم بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تعيد الكرامة للإنسان المغربي، بعد عقود سوداء من القمع والتسيّب والفساد وإهدار كرامة البشر.
تمّ التخلي عن اليوسفي بالطريقة المعروفة، والتي أصبحت اليوم ذكرى قاسية في وجدان ديمقراطيين المغاربة، وحتى حينما جاءت تجربة إسلاميي "العدالة والتنمية" بعد احتجاجات حركة 20 فبراير العظيمة عادت الآمال الشعبية نفسها لتنتعش وتتجدّد بحكم التعاطف الذي حصده هذا الحزب والشعارات القوية التي يردّدها زعيم الإسلاميين المغاربة.
ربّما كانت هناك نيّة لدى جهات معينة بإغلاق قوس "الربيع المغربي"، والتنكّر لمطالب الشعب المغربي الجريح، زد على ذلك الأخطاء السياسية القاتلة التي وقع فيها رئيس الحكومة واختياراته القاسية بمعية أعضاء حكومته متعدّدة الأضلاع، وربّما أيضا بسبب غياب الخبرة في التدبير.
لقد بدا واضحاً لكثيرين، ومن مدّة، إنّ هناك من يتعقّب رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، وأنّ رأسه أصبحت مطلوبة وهذا ما حدث فعلاً، وإنّ قرار إبعاده أراح الدولة وقيادة الحزب والطبقة السياسية برمتها، على الرغم من التصريحات المليئة التي تقطّر بالنفاق.
إنّ الفشل التدريجي لسيرورة الانتقال الديموقراطي، والتي سبق وعبّر عنها اليوسفي في خطاب بروكسل الشهير، وتعدّد الجبهات الانتهازية التي كوّنت عصابة كبيرة داخل المؤسسات والأحزاب السياسية ورجال الأعمال الجشعين وغيرهم، يعطي دليلاً قاطعاً على ذلك، لكن الوضع أعقد من ذلك بكثير، فلكل طرف حساباته الدقيقة وأدواته وتوقيته. كلّ هذه الأسباب وغيرها تنبئ بنهاية الحلم لدى فئات عريضة، ليتحوّل الحلم إلى كابوس يومي، بحيث لم يكن غريباً أبداً أن نصعق بالارتفاع المهوّل للمديونية بشكل لم يسبق له مثيل وانهيار القطاعات الاجتماعية وانسداد الأفق السياسي، ما جعل المستقبل يبدو قاتماً.
في الجهة الأخرى، حافظ الأثرياء والمقرّبون من الحكم على امتيازاتهم ومصالحهم، فقد عرفت نمواً مضطرداً في بلد فقير غارق في المديونية والفساد السياسي والبؤس الاجتماعي.
في هذا السياق السياسي والمجتمعي المشحون، والذي عرف تراجعات خطيرة في حقوق الإنسان وارتفاع الفساد والإفلات من العقاب، راكمت الجهات النافذة مزيداً من الثروات وتهريبها وشراء جنسيات أجنبية، ما يعدّ مثالاً صارخا على الفصام الذي تعيشه النخب الحاكمة، وعلى انعدام الثقة في الوطن ومؤسساته، وهذا يعني بداهة أنّهم محميون جميعاً من جهات نافذة داخلياً وخارجياً، ومستمرون في لعب المسرحية البالية نفسها، هؤلاء هم وحوش الوطن الذين حوّلوا الحياة العامة إلى غابة.
مسؤولية الدولة قائمة سياسياً وقانونياً وأخلاقياً في الوضع السياسي والاجتماعي المتردّي، وفي تفاقم معدلات الفقر والهشاشة وسيادة مشاعر الإحباط واليأس.
الحرب على المدرسة والجامعة في شكلها الشرس والممنهج منذ فترة الثمانينات، وتدهور الحياة المعيشية للمغاربة مستمر بلا شفقة، ولا إدراك للعواقب الصاعقة. لذلك إنّ الاستمرار في امتهان كرامة الناس الأكثر عزلة وهشاشة في المجتمع، في الوقت الذي تستمر فيه ماكينة السلطة في صناعة النخب المخملية المنبطحة في مطبخ الحكم... ينبئ بمراحل صعبة مقبلة.

avata
avata
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)