إشكالية البديل السياسي في مصر

إشكالية البديل السياسي في مصر

29 ابريل 2017
+ الخط -
على الرغم من حالة الإخفاقات التي تشهدها مصر في ظل نظام عبد الفتاح السيسي على المستويات كافة، خصوصا الاقتصادية، السياسية والإنسانية، وجديدها ممارسات الجيش بحق بعض المدنيين في سيناء، إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا حتى لدى العامة يدور عن البديل السياسي للرجل الذي يمثل المؤسسة العسكرية التي تحدّر منها الرؤساء المصريون، باستثناء محمد مرسي؟ 

بداية، الحديث عن بديل مدني سياسي حقيقي للسيسي يعني أيضا تقليص الدور السياسي المستمر للجيش، ليس فقط منذ 1952، بل وإبان نشأة الدولة الحديثة في عهد محمد علي أوائل القرن التاسع عشر. وربما تكون هذه هي المعضلة، لا سيما أن ترشح السيسي للرئاسة جاء بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمؤسسة العسكرية. وبالتالي، حتى هذه اللحظة، وفي ما يبدو أن هناك حالة من الارتباط القوي بين الطرفين، ومن ثم فالتضحية بأحدهما معناه التضحية بالآخر. ولعل هذا يضعنا أمام الجدلية الكبرى الخاصة بالعلاقة بين الجيش والسياسة في مصر. وتبرز، في هذا الصدد، إشكاليتان أساسيتان. تتعلق الأولى بمدى قبول العسكر، أو من يمثلهم في السلطة التنفيذية (الرئاسة)، بإجراء عملية تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد، تبدأ باحترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير، ورفض الطوارئ، مرورا بظواهر المشاركة والممارسة الانتخابية، ممثلة في الانتخابات بشتى مستوياتها، بداية من المحليات وانتهاء بالرئاسة. وهنا لا بد من القول إن عملية قيام النظم الانقلابية في دول العالم بتحول ديمقراطي حقيقي تتوقف على عوامل عدة، أبرزها طبيعة النظام المنقلب عليه، هل هو نظام ديمقراطي أم استبدادي أو حتى عسكري. فإذا كان ديمقراطيا، فإن احتمال حدوث قمع له ولأنصاره يكون مرتفعا، واحتمال حدوث تحول ديمقراطي يكون منخفضا. وكما كتب عمر عاشور، في دراسته عن الإسلاميين والجيش في مصر، نقلا عن كونتي دي مارشال ودونا مارشال، فإن من بين 88 انقلابا ناجحا في أفريقيا بين 1945-2008، فإن أربعةً منها هي التي قامت بعملية تحول ديمقراطي، على الرغم من أنها كانت ضد نظم عسكرية وصلت إلى الحكم بانقلاب، وذلك لعدم إعطاء مبرّر لهذه النظم المستبدة للعودة. ومعنى هذا أن توقع قيام السيسي، من تلقاء نفسه، بعملية تحوّل ديمقراطي حقيقي، ضرب من الخيال، لا سيما في ظل الدعم الإقليمي والدولي له، خصوصا من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وإزاء هذا الوضع المعقد، يبرز التساؤل من جديد بشأن كيفية حدوث تحول حقيقي، وبروز بديل 
سياسي للسيسي والعسكر؟ يمكن القول إن العملية صعبة، لكنها ليست مستحيلة، لا سيما في ظل عدة متغيرات، ترتبط بالأركان الأساسية للنظام السياسي في مصر، المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية، النخبة السياسية، الشعب والمجتمع المدني باعتباره ممثلا له، فالمؤسسة العسكرية هي المهيمنة والمستحوذة، بصورة أو بأخرى، على السلطة التنفيذية، كما أنها تحظى بتأييد شعبي على الرغم من ممارساتها العنيفة ضد بعض المدنيين كالتي شهدتها سيناء، حيث لا زالت الصورة الذهنية لدى الشعب أن الجيش لا يحمي حدود البلاد في الخارج فقط، ولكن يحميه أيضا من بطش النظم "المستبدّة"، كالإنكليز أو نظام الملك فاروق، مرورا بحسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، وصولا إلى نظام حكم محمد مرسي والإخوان المسلمين. وفي المقابل، النخبة السياسية الليبرالية واليسارية في معظمها منضوية تحت النظام، بسبب عدائها لـ"الإخوان"، وخشية تعرّضها للقمع. وهذه الظاهرة (التحالف العسكري المدني) ليست قاصرة على مصر، وإنما هناك حالات عديدة مماثلة في الأرجنتين والبرازيل وإسبانيا والسودان وتركيا وغيرها. ولعل الحركات الشبابية شهدت، هي الأخرى، حالة من التراجع، بسبب موجة القمع التي يتعامل بها النظام مع معارضيه، فزجّ بعض قادتها في السجن، وفرّ آخرون من البلاد، في حين ظل فريقٌ ثالث في حالة ترقب وانتظار، بينما تعاني جماعة الإخوان الآن، بصورة كبيرة، بسبب حجم القتل والاعتقالات، فضلا عن التباينات والخلافات التي أصابت الجماعة في الآونة الأخيرة، ولم تتعاف منها كليا. أما مؤسسات المجتمع المدني، خصوصا المهتمة بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، فهي تتعرض لحالة تصفية "قانونية"، بعد صدور قانون مجلس الشعب، أخيرا، والذي يحظر عليها الاقتراب من السياسة. إذن، هذه
الإشكاليات الخاصة بقوى النظام الأساسي، المؤسسة العسكرية، النخبة السياسية، الشعب، المجتمع المدني، تجعل هناك حالةً من الاختلال في موازين القوى المدنية والعسكرية لصالح السيسي ومؤسسته، على الأقل خلال المدى المنظور. وبالتالي، يتطلب الحديث عن بديل سياسي حقيقي إصلاح الخلل في هذه العلاقة، عبر تقوية النخبة السياسية والمجتمع المدني. وربما يستغرق الأمر وقتا طويلا، مثل حالة الأرجنتين (20 عاما). وكما كتب هاني سليمان، في مؤلفه عن الجيش والسياسة في مصر، إنه كلما كان هناك مجتمع سياسي قوي (أحزاب وقوى سياسية، ومؤسسات مدنية، مجتمع مدني)، ساهم ذلك في تقليص الدور السياسي للمؤسسة العسكرية، كما حدث في الفيليبين والمكسيك وكوريا الجنوبية وشيلي. والعكس صحيح، فكلما شعر الجيش بضعف هذه المؤسسات رفض الانسحاب من الحياة السياسية (حالات بنغلاديش وتايلاند وباكستان). وبالتالي، فإن نقطة البدء تتمثل في بديهتين، هما القناعة والإرادة السياسية من ناحية، والاصطفاف الوطني بين النخبة السياسية والقوى الثورية التي تؤمن بفكرة مدنية الدولة من ناحية ثانية.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.