المعاصرة حجاب

المعاصرة حجاب

26 ابريل 2017
+ الخط -
من الأمور التي تبعث على الدهشة تأثرُ بعضهم بآراء الآخرين، وانتقاداتهم بشكلٍ قد يعطِّل مسيرتهم عن متابعة أهدافهم. وحقيقة الأمر أنّه ليس من المبرّر أن تتأفف من انتقاد الناس لك، لا سيما معاصريك، فلكلٍ رأيه وفكره، ما يوجب عليك مواصلة سعيك الدؤوب نحو هدفك، من دون تردّدٍ أو انهماكٍ في الرد على ما يقوله الآخرون.
ليست قضية تجاهل المعاصر ونبذه وإقصائه وليدة اللحظة؛ ما يجعل الوقوف طويلًا عليها غير مقبول، لا سيما ممن يمتلكون أهدافًا كبيرة؛ ذلك أنّ هذا الوقوف يؤخرهم عن وصولهم إلى مبتغاهم.
محاولات تهميش المعاصر ووضعه في حيّز المجهولات من سمات كثيرين، فترى مديراً يسعى إلى تهميش أحد موظفيه ممن علا كعبهم، وسطع نجمهم. ولذلك، ظهرت القاعدة التي ذكرها صاحب كتاب العمدة، ابن رشيق القيرواني، وتقول "المعاصرة حجاب"، إذ ترى هذه القاعدة جليةً في دنيا الناس، حتى بين العلماء الذين هم هداة الناس وقادة فِكرهم.
لم يكن أبو تمام حبيب بن أوس في منأىً عن محاولات أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي المستميتة لإحراج أبي تمام والانتقاص من قدره بين يدي الخليفة المعتصم، ولولا سرعة بديهة أبي تمام لوصلَ الكندي إلى مبتغاه. الأمر نفسه جرى على أبي الطيب المتنبي، إذ استل ابن خالويه سيف الانتقاصِ من قدر المتنبي، وبذل نكيثته لينالَ من المتنبي. ولكن، هل أدرك بغيته؟
تقودنا الإجابة على هذا السؤال إلى نقطةٍ غاية في الأهمية، وهي أنه وعلى الرغم من وجود من يحاولون النيل منك، وانتقاص قدرك، فإنهم لن يتمكنوا من ذلك، ما لم تسمح أنت لهم بذلك؛ فإرادة الإنسان وحدها التي ترفع من شأنه، وهي فقط التي تخذله إن شاء. فحافظ على هدوئك، وواصل باتجاه هدفك، ولا يستخف بك الذين لا يوقنون بك، وبملكاتِك ومواهبك؛ المتنبي لم يستسلم أمام ابن خالويه وغيره.
ليس بالضرورة أن يكون من يتمسك بإقصائك عن الساحة، وتهميشك منافسًا لك في مهنتك، وتخصّصك نفسه؛ فابن خالويه كان نحويًا ولم يكن شاعرًا، ومع ذلك، فإنّ صدارة المتنبي في مجلس سيف الدولة كانت الباعث على كراهية ابن خالويه المتنبي. لم يكن ابن خالويه الوحيد الذي ناصب المتنبي الصراع على الصدارة في مجلس سيف الدولة الحمداني، بل ظهر آخرون كُثُر منهم أبو فراس الحمداني الذي أوغر صدره شروق شمس المتنبي في بلاط سيف الدولة، على نحوٍ منقطع النظير.
إقدام بعضهم على الانتقاص من قدرك وتسفيه ما تطرحه من فِكرٍ ورأي يعبّر عن نجاحك في الوصول إليهم، والتأثير عليهم، لذلك، لا يتعيّن عليك ترك ميدانِك والخوض في ميدانٍ يستدرجونك إليه، كن أذكى من أن تقع في هذا الفخ، فهم لن ينصفوكَ إن أحسنت، ولن يرحموك إن أسأت، فلا تعبأ بهم واستمر في طريقك لتصنع مجدك. أنت الآن تسمع بالمتنبي صباح مساء، وقد سطرت كلماته حياة كثيرين منّا، لكنك لا تعرف الكثير عن ابن خالويه، وغيره ممن أوقفوا أنفسهم على تجاهل المتنبي وانتقاص قدره وتسفيه شعره.
لا تتيح المعاصرة لنا أن نقف على جميع جوانب الإحسان، والإساءة لدى الآخرين، فيكون ذلك باعثًا على جنوحنا في الحكم عليهم، وتلعب الأهواء الشخصية دورًا لا يُغفَل في ذلك؛ ما يجعل بعضهم يميل إلى المبالغة في نبذ الشخص، أو المبالغة في مناصرته، والرمي عن قوسه. ربما يكون ذلك بدافع الفهم المغلوط أو الحسد ووخز الصدر. ما يوجب التريث وعدم إطلاق الأحكام على الآخرين، مع مراعاة الدقة في الطرح والتناول. للناس أن يقولوا. ولكن، أنت سيد قرارك.
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
محمد الشبراوي (مصر)
محمد الشبراوي (مصر)