ورطة حماس أم ورطة المشروع الوطني الفلسطيني؟

ورطة حماس أم ورطة المشروع الوطني الفلسطيني؟

21 ابريل 2017
+ الخط -
جَدَّدَ تصعيد السلطة الفلسطينية من حدّة الخطاب والوعيد تجاه حركة حماس الحديث عن ورطة الحركة في قطاع غزة، والذي تسيطر عليه وتديره منذ عام 2007. فمطلع الشهر الجاري، قامت حكومة "الوفاق الوطني" بخصم 30% من رواتب أكثر من 60 ألفاً من موظفي السلطة في القطاع. ولم تقف الأمور عند ذلك الحد، إذ هدّد رئيس السلطة، محمود عباس، في الثاني عشر من إبريل/ نيسان الجاري، أمام مؤتمر لسفراء السلطة في الدول العربية، عُقد في البحرين، بأنه سيتخذ "خطوات حاسمة" ضد حماس في غزة. وألمح قاضي قضاة السلطة، محمود الهباش، في خطبة الجمعة الماضية، وبحضور عباس، إلى ضرورة حرق غزة إن لم تعد إلى سيطرة السلطة. وقبل أيام، أُعْلِنَ عن توقف محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة عن العمل، لتضاعف من معاناة أهل القطاع. أما عن سبب توقف عمل المحطة فهو أن السلطة قرّرت وقف تزويد القطاع بالوقود، بعد نفاد المنحة القطرية، ما لم تدفع حماس ضرائب باهظة مضاعفة عليه. وبالمناسبة، يدفع القطاع شهرياً 100 مليون دولار للسلطة في رام الله، في حين تريد السلطة مضاعفة المبلغ.
كان يمكن القول إن التصعيد الجديد مجرد مناكفة متبادلة بين السلطة وحماس، خصوصاً أن الأخيرة كانت قد أعلنت، الشهر الماضي، عن تشكيل "لجنة إدارية" لإدارة شؤون القطاع المحاصر منذ عام 2007، في ضوء ما تقول إنه تخلٍ من حكومة "الوفاق الوطني" التي تشكلت عام 2014، عن مسؤولياتها فيه. ولكن الجديد أن وعيد السلطة، هذه المرة، لم يكتف بحدود القول، بل وصل إلى حد الفعل. والأخطر، أنه لا يبدو منفصلاً عن سياق إقليمي ودولي أوسع لتصفية القضية الفلسطينية، وفي ظل تلميحات إسرائيلية باحتمال شن عدوان جديد على القطاع الصيف المقبل. ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن للتصعيد الذي نراه اليوم، وتحديداً من السلطة الفلسطينية، ما وراءه، وبأنه قد يكون مندرجاً ضمن ترتيبات إقليمية ودولية يتم الإعداد لها.
أولاً، قال عباس نفسه إن الخطوات التي ستتخذها سلطته لاستعادة السيطرة على غزة ستكون
 غير مسبوقة. في حين أن حكومته قالت في بيان عقب قرار الخصم من رواتب موظفي القطاع الحكوميين، أن إلغاء الخصم مرهون بموافقة حماس على مبادرة عباس، والتي تتضمن "حل اللجنة التي شكلتها حماس لإدارة القطاع، والسماح بعودة الموظفين، وتسليم المعابر والوزارات، وتمكينها من العمل في القطاع". وبالمناسبة، فإن عدد موظفي السلطة في قطاع غزة يبلغ 62 ألف موظف، منهم 26 ألف موظف مدني، و36 ألف موظف عسكري، وجميعهم مستنكفون عن العمل منذ عام 2007. ويتلقى هؤلاء رواتبهم وهم في منازلهم، وهو شرط وضعته السلطة في رام الله في محاولة للضغط على حماس وإفشالها. وقد ردت الأخيرة بوضع كادر وظيفي آخر لتعويض هؤلاء، وهو ما أوجد كادرين وظيفيين، واحد من دون عمل، يتلقى الرواتب من السلطة، وآخر يعمل، ولكن حماس مسؤولة عنه، وترفض السلطة نهائياً ضمّهم لكادرها الوظيفي، أو دفع رواتبهم. وتطمع السلطة، في ما يبدو، إلى أن تدفع عشرات الآلاف من الغزيين إلى الاحتجاج، تحت وطأة الحاجة، على حكم حماس وإسقاطها.
ثانياً، تهديد شخصيات في حركة فتح بأن على حركة حماس أن تستجيب لاشتراطات عباس، وأن المطروح ليس حواراً جديداً. بمعنى آخر، المطلوب من حماس، حسب هؤلاء، هو الاستسلام التام. ما يؤكد ذلك أن ثمة تلميحات إلى أن عقوبات السلطة على القطاع قد لا تتوقف عند حدود الوقود والكهرباء، بل قد تصل إلى قطاعات الصحة والتعليم. بل ثمّة من يطرح إمكانية إعلان القطاع "إقليماً متمرداً"، وهو ما سيزيد من عزلة القطاع وبؤس أهله، وربما تسويغ عدوان إسرائيلي قادم عليه.
ثالثاً، يأتي تصعيد السلطة ضد حماس والقطاع مترافقاً مع تهديدات إسرائيلية بأن فصل الصيف قد يشهد عدواناً آخر عليهما، وهو أمر أشار إليه وزير الإسكان الإسرائيلي، العضو في المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية، يؤاف جالانت.
رابعاً، لا يمكن تناول كل ما سبق بمعزل عن المعلومات التي يتم تداولها عن نية إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عقد مؤتمر إقليمي للسلام في واشنطن الصيف المقبل، يضم إلى
جانب الفلسطينيين والإسرائيليين، دولاً عربية، كمصر والأردن والإمارات العربية، وربما السعودية. وحسب تقرير لصحيفة القدس الفلسطينية، ثمّة مسودة من تسع نقاط، وضعها فريق أميركي، يشرف عليه جاريد كوشنر، صهر ترامب، ويرأسه جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي للمفاوضات غير المباشرة، منها: "عودة الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات مع إسرائيل من دون شروط مسبقة، وموافقة الفلسطينيين على إشراك الدول العربية أيضاً بالمفاوضات مع إسرائيل، بالإضافة إلى عدم اعتراضهم على قرارات تم اتخاذها في المراحل الأولى من المفاوضات، مثل عدم تجميد البناء الاستيطاني بشكل كامل، شرط ألا تقام مستوطنات جديدة". كما تتضمن المسودة، بحسب الصحيفة المقدسية، التأكيد على "ضرورة إبراز الجهود الميدانية التي تمارسها السلطة الفلسطينية في وقف أعمال العنف ضد إسرائيل، والدعوة إلى الشراكة الفلسطينية الفعالة من خلال قوات الأمن الفلسطينية في محاربة الإرهاب المحلي".
إذن، قد نكون أمام تصعيد محسوب لا يدخل في نطاق المناكفة وردود الأفعال المتبادلة فحسب، بل يذهب إلى حد محاولة إعادة صياغة المشهد الفلسطيني الداخلي، تمهيداً لقرارات فلسطينية رسمية كارثية أخرى، بغطاء عربي رسمي. وبالتالي، أي حديث عن "انقسام" فلسطيني على أساس فصائلي هو موهوم وزائف، فالأمر أعمق من ذلك وأبعد. إنه صراع بين موقفين في الساحة الفلسطينية: موقف تمثله السلطة وحركة فتح التي أجهضها عباس، ونزع دسمها داخلياً، لا يرى بديلاً عن التسليم لإسرائيل بسطوتها، ومن ثمّ ضرورة تقديم ما تطلبه من تنازلات متدرجة. وموقف ثانٍ تمثله حماس، ومعها فصائل أخرى، ترفض التسليم بالانكسار والهزيمة لإسرائيل، وشطب القضية الفلسطينية.
ما سبق ليس دفاعاً عن حماس، ولكن الموضوعية تقتضيه. فسواء أحب بعضهم حماس أم كرهها، وسواء اتفقنا مع قناعاتها ومواقفها أم اختلفنا معها، إلا أنه لا يمكن اتهامها بممارسة "الرذيلة الوطنية"، عبر العمالة الأمنية لصالح المحتل، واصطناع سلطة فلسطينية تؤدي دوراً وظيفياً لصالح الاحتلال عبر إخضاع شعبها نيابة عنه. ما تريده السلطة الفلسطينية ليس تنازلاً من حماس عن إدارة القطاع، بل تصفية لأي خط مقاوم، سواء فكرياً أم سلمياً أم عسكرياً، للاحتلال الإسرائيلي. ما يجري ليس حصراً لحماس في زاويةٍ ضيقة، بقدر ما أنها أزمة مشروع فلسطيني يتعرّض لعدوان شرس من بعض أبنائه لسحقه. أما سكان غزة المليونان فهم رهائن، في سبيل تحقيق السلطة مشروعها، الذي هو مشروع إسرائيلي في جوهره، تؤيده أميركا، ويهلل له بعض العرب اللاهثين وراء رضا إسرائيل والولايات المتحدة. تقتضي الوطنية الحَقَّةَ من الجميع الآن التعالي على الحساسيات الإيديولوجية، وإدانة قيادة السلطة الفلسطينية وإخراجها عن الخط الوطني، ودعوة شرفاء حركة فتح إلى استعادة حركتهم ممن اختطفوها وانحرفوا بها عن نهجها الوطني الصافي.