هل ستستقل كردستان أم مجرّد ضغط؟

هل ستستقل كردستان أم مجرّد ضغط؟

21 ابريل 2017
+ الخط -
تبدي قيادة إقليم كردستان استعداداً وجديّةً واضحين للخوض في عمليّة الاستفتاء لأجل استقلال الإقليم عن العراق، ولعل ما بدر عن اجتماع قيادتي حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، وبإشراف مباشر من رئيس الإقليم مسعود البرزاني، يشي بالجديّة والعزم، ووضع تصوّر أولي لعملية الاستفتاء والنتائج المتوقعة.
تتكئ قيادة الإقليم وحزباه المتحالفان (الاتحاد الوطني والديمقراطي) على جملة معطيات تجعل من موضوع الاستفتاء أقرب إلى التحقق، من ذلك الزيارات الخارجية التي قام بها رئيس الإقليم إلى دول غربية وعربية خليجية عديدة، والتي يبدو أنها راضية عن المسلك الكردي الجديد الهادف إلى تحقيق الاستقلال، فضلاً عن اللقاءات بقناصل الدول في إقليم كردستان وممثليها، كذلك يصبغ الوضع المستجد في كركوك التي باتت تخضع لسيطرة كرديّة أوسع إمكانية السير في اتجاه الاستفتاء، فكركوك التي كانت تشكل العقبة الكأداء في طريق الاستقلال باتت قاب قوسين من انضوائها تحت علم الإقليم. وبالتالي، فإن خريطة كردستان الفعليّة باتت شبه منجزة، خلا مناطق مازالت موضوع إشكال، أو كما تسمى في الأدبيات الدستورية والقانونية العراقيّة المناطق "المتنازع عليها".
تساهم هذه المسائل وغيرها في فهم الحالة التي يعيشها الإقليم حالياً، بعيداً عن فهم التحرك الكردي بأنه مجرّد "ضغط" على حكومة بغداد وإرغامها على القبول ببعض الشروط الكردية، فمسألة الاستفتاء باتت أقرب من أي وقتٍ مضى، ما يجعل استبعاد فكرة أن التلويح بالاستقلال مجرّد وسيلة سياسية لأجل لَيِّ ذراع بغداد.
بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، جاءت زيارة وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، أربيل، أخيراً، حدثاً يفسّر مقدار الانسداد بين بغداد وأربيل، ووصول القوى السياسيّة الكردية إلى زاوية اللّاعودة في قرار الاستفتاء، وفوق ذلك، تترك زيارة الجعفري أسئلة مهمة، منها: هل تتطلب العلاقة بين بغداد وأربيل إرسال وزير خارجية البلاد إلى بقعةٍ يُفترض أنها جزء من العراق حتى اللحظة، بحسبان أن مثل هذا العمل يتنافى مع عمل (ودور) وزارة الخارجيّة التي يجب أن تقتصر علاقتها بالدول؟
بكثير من اللغة الإنشائية والعاطفية، حاول الجعفري ثني الأكراد عن مشروعهم الجديد، إلى أن غالبته الدموع في المؤتمر الصحافي في أربيل، والتي عكست، ربما، لحظةً يمكن المجازفة 
بقراءتها على أنها دموع وداع كردستان واستقلالها، إن لم نقل أنها دموع بغداد الضعيفة.
في إزاء ضعف بغداد وغياب دمشق، تترك حالة الرفض المباشر التي تعلنها أنقرة وطهران للمنحى الكردي الجديد أسئلةً مفتوحة، فتركيا وإيران تعانيان من وجود مشكلة كردية على أراضيهما، وموضوع الاستقلال ملهمٌ لأكراد جوار العراق بشكلٍ قد ينسحب على دولتيهما لاحقاً، ويخرج المسألة الكردية من إطارها الذي سارت عليه أمداً طويلاً، بمعنى أن الحركات القومية الكردية كانت أقرب إلى حركات الحكم الذاتي منها إلى حركات التحرر الوطني التي تسعى إلى الاستقلال. وبالتالي، قد يؤدي مسلك الإقليم إلى تأزيم العلاقة مع جواره الحيوي. لكن، وفي المقابل، قد تخفف خطوط النفط والمصالح الاقتصادية المرتقبة في ما بعد من الخلافات التي قد تنشأ، وذلك على وقع تنافس طهران وأنقرة على السوق الكردستانية ومواردها، ما سيشكل عاملاً مخففاً لمواقف الدولتين. يضاف إلى ذلك أن حكومة الإقليم تعوّل على الدول الكبرى والصداقات الخليجية في مسألة جعل الاستقلال أمراً واقعاً، ما يعني أن الكلمة الفصل مرهونةٌ للقوى الدولية، إلى جوار الشركات النفطية العملاقة التي لها دور بالغ في رسم صورة المنطقة برمتها.
في البحث عن العوامل الذاتية داخل الإقليم، يمكن الحديث عن إن موضوع الاستقلال يحوز
قبولاً كردياً عارماً، فمهما اختلفت الكتل والأحزاب السياسية الكردستانية، إلا أنها تتفق في المواضيع المصيرية، كحال استعادة كركوك والاستقلال والدفاع عن أرض كردستان. لذا لا يبدو مستبعداً أن تتم مصالحة ما بين الأحزاب الكردستانية المتخاصمة على نحو ما صرح به النائب الأول للأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، كوسرت رسول، إن الاتحاد يسعى إلى التقريب بين الحزبين المتخاصمين، الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير (كوران)، ما يعني أن الأطراف الكردستانية تريد تحويل موضوع الاستفتاء والاستقلال مسألة عمومية، لا تخصُّ حزباً بعينه، وأنه ثمرة لنضال عموم الأكراد.
والحال أن الفترة المقبلة قد تشهد تحوّلاً مهماً في سيرة الفيدراليّة الكردية، فإما أن نتحدث في ما بعد عن الدولة 194 في الأمم المتحدة، أي عن " كردستان المستقلّة" ، أو يبقى ملفّ الاستقلال مجرّد وسيلة ضغط على بغداد الحائرة والضعيفة، وفي مطلق الأحوال، ستدخل كردستان العراق مرحلة جديدة عنوانها: ما بعد الاستفتاء.