إرادة الفرح

إرادة الفرح

20 ابريل 2017
+ الخط -
الحزن والفرح وجهان لعملة واحدة، فتارة تعطيك الحياة وجهاً باسماً أو تدير وجهها عنك، لتتركك تجابه ما قدّر لك من تعاسة وآلام. لكن الأحلام لا تستوعب وتضيق بتقلّبات الشقاء والراحة، الجوع والشبع، اليأس والأمل، التفاؤل والكآبة، الضيق والاستقرار.
بيد أنّ المسألة الشائكة، والتي حار فيها المفكرون، واختلط أمرها على الفلاسفة، ولم يقدر على سبر أغوارها المحنكون الجهابذة، هي الجبر والاختيار في إحساس المرء وشعور الإنسان بالسكينة والرضا والنفور والضجر والإنزواء، بمعنى: هل الشقاء والفرح قدر مقدور أم سلوك واختيار؟ وهو أمر دقيق وعميق، يحتاج مجلدات سنين من الباحثين، فكيف لنا في مقال نحيل، أن نحسم جدلاً طويلاً، استعصى على الأبطال والفرافير، وتصدّى له القزم والفيل، فهذا نزق وتطاول، وتبسيط مخل، وتسطيح عليل لا يصدر إلا من ساذج غر وإفتراء وتضليل.
غير أنّ الحقيقة هي ضرورة تبسيط الأمور الضخمة المستعصية، لأنّ التيسير والتسهيل يذّيلان كلّ صعب مليء بالتعقيدات، فمن المعروف بداهةً أنّ هناك أموراً جبرية وأحوالاً عصية، لا دخل لإرادة المرء فيها، وهذه لا حول ولا طول لنا فيها، لأنها مفروضة فرضاً لا خيار لنا فيه. وبعد ذلك، هناك مساحات شاسعة وفيافي هائلة بمقدور الإنسان أن يقرّر ويختار ويغدو ويروح ويصول ويجول، مغيّراً الأحوال، متحدياَ الصعاب، قافزاً على الأشواك والأهوال، متنصلاً من كلّ القيود، متخطياً الأسلاك والحدود.
غاية منى الإنسان، بعد جهوده واستغلال ملكاته ونهاه، أن يصبو للسعادة وأن ينجو بنفسه من براثن الحزن واليأس، محلّقا في سماوات الأمل والفرح، بعيداً عن الأوجاع والغم، فهل يستطيع الآدمي أن يتجاوز الأحزان والظروف القهرية، رامياً إياها في بالوعات النسيان المنسية، متكئاً على ثقته في الله، رافضاً العراقيل الكئيبة والعوائق المريرة والحواجز البائسة والأوضاع الحزينة، معتمداً على روحه التواقة إلى حياة بهيجة، يفيض منها النجاح والإنجاز، لتهب نسمات الرضا الرقيقة، وضحكات الفرح المدوية وأشعة نور الأمل المبدّدة لكلّ وجع أو ألم أو حزن.
لا أستطيع الجزم بإجابة جامعة مانعة، لأنّ كلّ إنسان عالم مليء بالأسرار، بحر لجي تسكن قيعانه الصخور والشعاب المرجانية والكهوف السرمدية التي لا يعرفها إلا خالقه الذي نفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة أن تسجد له، لكني أدّعي زاعماً أنّ الحزن اختيار وقرار، والفرح كذلك عزم وإرادة وفرار، فتعالوا جميعاً نفرّ، نفرّ إلى الحياة، نفرّ إلى السعادة والبهجة، نفرّ إلى الفرح.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)