الصين وأفريقيا... شراكة أم احتلال اقتصادي

الصين وأفريقيا... شراكة أم احتلال اقتصادي

20 ابريل 2017
+ الخط -
كانت أفريقيا مطمعا للقوى الدولية الساعية إلى استغلال ثروات القارة المتنوعة، فالموارد الطبيعية، الزراعية الطاقوية وحتى البشرية، غنية جدا، وتشكل محفزاتٍ قوية لدول عديدة، من أجل إقامة جسور للتواصل والتجارة مع أفريقيا بأهداف اقتصادية. وقد امتاز القرن الماضي بالنفوذ الفرنسي والبريطاني على إفريقيا، بحكم سنوات الاستعمار والتأثير اللغوي والثقافي لهاتين الدولتين على الدول الإفريقية. الأمر الذي انعكس على الجوانب الاقتصادية والتجارية، فكانت فرنسا وبريطانيا في طليعة المتهافتين على ثروات إفريقيا، من حيث استخراج الطاقة، الاستفادة من المحاصيل الفلاحية واليد العاملة، علاوةً على توجيه الشركات والمؤسسات الاقتصادية لإفريقيا، باعتبارها سوقاً استراتيجياً خالياً من المنافسة، ويمكن فيه تحقيق أرباح طائلة، بعيدا عن الأسواق الأوروبية التي ما فتئت تعاني من التشبع الاستهلاكي والتضخم المالي المؤثرين على التنافسية.
ومع مطلع القرن الحالي، اتجهت الصين إلى إفريقيا، باعتبارها قوة اقتصادية كبيرة، تقدم نفسها بديلاً له رؤية مكتملة، حتى أصبحت أول مستثمر في إفريقيا، وأحد أهم شركائها الاقتصاديين، فللصين خلفيات تاريخية وإيديولوجية مع الدول الإفريقية، فهي دولة مراقب في حركة عدم الانحياز، كما كانت مساندة للأحزاب والتيارات اليسارية الإفريقية في الأممية الاشتراكية، داعية إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، الاستقلال الاقتصادي ومناهضة الإمبريالية. علاوة على ما سبق، ساهم نجاح الصين الاقتصادي، وتحقيقها طفرة نوعية، من حيث معدلات النمو والقدرة الاستثمارية في سرعة وصولها إلى إفريقيا وقوته، حيث تعطي للدول القارة السمراء رسالة
ملهمة، وعن تلك الدولة النامية التي كانت تعيش في براثن الفقر، الجهل والتخلف، واستطاعت أن تصبح قوة عالمية تنافس الدول الغربية، ناهيك عن دور الصين في إنشاء منظمة للتعاون بين الاقتصاديات الصاعدة، ممثلةً في مجموعة دول البريكس: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا. تستحوذ هذه الدول على ربع مساحة العالم، وفيها أكثر من % 43 من السكان، وتقود قاطرة التقدم الاقتصادي، بتحقيقها ما يقارب 25% من الدخل القومي العالمي، كما تستأثر بنصف الاحتياطي العالمي من العملات الأجنبية والذهب. ناهيك عن سيطرتها على ثلث التجارة العالمية، وجلبها نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في كل أنحاء المعمورة.
وعلى هذا النحو، تدخل الصين إلى إفريقيا عبر بوابة التعاون جنوب- جنوب، ومن خلال البعد التضامني لمناهضة الهيمنة الغربية، خصوصا مع توالي الإنجازات غير المسبوقة للصين، فالاقتصاد الصيني الذي يمثل وحده 10% من الاقتصاد العالمي، من خلال توجيه الأنشطة الصناعية نحو التصدير وجلب الاستثمارات الأجنبية، لإيجاد فرص للشغل، فقد نجحت الصين في تحويل الفائض الاقتصادي إلى فاعل تنموي، من خلال رفع معدل الادخار المحلي من 20% إلى 30% والاستثمار إلى 35% في ظرف زمني قصير.
لقد تمكنت الصين من تحقيق حضور وازن في إفريقيا، فحجم المبادلات التجارية من 12 مليار دولار سنة 2000 إلى أزيد من 300 مليار دولار سنة 2016، بين الصين وإفريقيا، كما تمتاز الخريطة الاستثمارية للصين في إفريقيا بأنها تخص مشاريع للبنى التحتية من خلال بناء الطرق، المطارات، المصحّات والموانئ، فقد ساهمت الصين في تشييد 3300 كلم من الطرق في إفريقيا، أزيد من 100 مدرسة و200 محطة لتوليد الطاقة، كما تم الاتفاق، في منتدى التعاون الصيني-الإفريقي السنة الفارطة على ضخ أكثر من 2000 مليار دولار استثمارات في إفريقيا.
وتتجلى قوة الصين في قدرتها على التأقلم مع خصائص البلد السياسية والاقتصادية والثقافية، وتنويع استثماراتها، من حيث القطاعات الاقتصادية، حجم الاستثمارات، طبيعة الأسواق
والشركاء، وكذلك جودة السلع مع القدرة الشرائية. ويرجع نجاح الصين في إفريقيا إلى مقاربتها الشمولية، فهي المورد، الموزع والممول عبر مؤسستها الوطنية المالية، مثل بنك التصدير والاستيراد وإكسيم بنك ووجود قطاع عام فعال، ففي تصنيف البنك الدولي أقوى الشركات والمؤسسات الاقتصادية في العالم، من حيث حجم المعاملات والعائد المالي، نجد تسع مؤسسات صينية من بين العشرين مؤسسة الأولى. علاوة على ذلك، تنتهج الصين ديبلوماسية فعالة، تعتمد على التقرّب من الدول الإفريقية، والإنصات لحاجياتها ومساعدتها في النهوض بالتنمية البشرية، من دون أي فوقية في التعامل، مع عدم وضع أي شروط متعلقة بحقوق الإنسان أو الإصلاح السياسي، كما تفعل القوى الغربية كمقابل للاستثمار في إفريقيا.
وفي سياق متصل، تستفيد الصين من المواد الأولية والمنتوجات الفلاحية في إفريقيا، فهي تشكو من خصاصٍ كبير في هذه المواد والمنتوجات، وتنقسم واردات الصين من إفريقيا إلى مواد طبيعية، مواد نفطية وسلع فلاحية وغذائية، في حين أن صادراتها تتمثل في %20 من السلع الاستهلاكية، %35 من مواد التجهيز و%45 من السلع الوسيطة التي تحتاجها الدول الإفريقية لدعم البنية التحية. ومن أهم الشركاء الاقتصاديين للصين في إفريقيا، نجد جنوب إفريقيا، أنغولا، السودان، نيجيريا، مصر، الجزائر، الكونغو والمغرب.
وختاما، استطاعت الصين أن تضمن لها مكانة وازنة في إفريقيا، من خلال علاقات اقتصادية متينة واستثمارات كبيرة، جعلت من الصين قوة عالمية، تهتم بالقارة الإفريقية، وقادرة على التأثير فيها. لكن يبقى التساؤل عما إذا كان الحضور الصيني في إفريقيا شراكة مختلفة عن المقاربة الغربية تجاه القارة، أم أننا أمام نموذج نيوكولونيالي جديد، يرى في إفريقيا حديقة خلفية، وكنزا استراتيجيا للاستغلال؟