خروج مصر

خروج مصر

19 ابريل 2017

نتنياهو: نواصل المشي على درب الملك داود (9/3/2017/Getty)

+ الخط -
في مناسبة عيد الفصح اليهودي، وهو أحد الأعياد الرئيسية في اليهودية، ويُحتفل به مدة أسبوع إحياء لذكرى "خروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية بقيادة موسى"، كما يوصف في سفر الخروج التوراتي، تعجّ وسائل الإعلام في دولة الاحتلال بمقالاتٍ وتحليلاتٍ، ولا سيّما حول مدلولاته الراهنة، وفي مقدمها دلالة الخروج من "بيت العبودية"، كما ورد في ذلك السفر: "وقال موسى للشعب اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية، فإنه بيد قوية أخرجكم الرب من هنا".
وفي آخر عام 2016، صدرت في إسرائيل ترجمة عبرية لكتاب "في ظل الله.. السياسة في التوراة"، للفيلسوف مايكل فولتسر، أحد المثقفين البارزين في الولايات المتحدة الذي يحمل توجهات صهيونية، ويعمل منذ سنوات ضد حملة مقاطعة إسرائيل، استكمل فيه مقاربته التي بدأها في كتابه "الخروج من مصر كثورة" (1993)، واعتبرت هذا الخروج برنامجًا ثوريًا وقاعدة لسياسة تحرّر راديكالية، ومصدرًا لفكرة الانعتاق من المعاناة والقمع المُعادلة في العصر الراهن لفكرة الخلاص والتحرّر والثورة.
ووفقًا لفولتسر أيضًا، تمثل إقامة إسرائيل نسخةً معاصرةً من خروج مصر، فضلًا عن أنه بعد مئات السنوات التي لم يُتح فيها لليهود في شتى أصقاع العالم إمكان العمل طبقًا لنموذج هذا الخروج، ظهرت الحركة الصهيونية، ووفرت لهم مثل هذه الفرصة. وبالتالي، يوجب هذا الأمر وحده إدراج الصهيونية ضمن نضالات التحرّر البطولية التي شهدها العصر الحديث.
وكما أن لكل قاعدة شواذ، خرج المؤرخ عوفري إيلاني عن مألوف أقرانه، بالإشارة إلى أنه لا يجوز قراءة واقعة الخروج من مصر (شكّـك في صدقيتها) بمنأى عمّا لحق بها، بدايةً مما ورد ذكره في سفر الخروج نفسه بشأن إدخال الرب بني إسرائيل "أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والحويين واليبوسيين" التي حلف لآبائهم أن يعطيهم أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا، ما يعني أنها لم تكن "أرضًا بلا شعب". وفيما بعد كما سلسله سفر يشوع (بن نون) الذي اشتمل، برأيه، على أحد أبرز وقائع حملات الجينوسايد (الخطر الوجودي) المتوارثة من العهد القديم. وفي هذا السفر أيضًا، ثمة أكثر من إشارة بليغة إلى أن تلك الأرض لم تكن بلا شعب، وخصوصًا قول الرب في الآية 13 من الإصحاح 24: "وأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضًا لَمْ تَتْعَبُوا عَلَيْهَا، وَمُدُنًا لَمْ تَبْنُوهَا وَتَسْكُنُونَ بِهَا، وَمِنْ كُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسُوهَا تَأْكُلُونَ".
في ضوء هذا، إذا كان خروج مصر يحيل إلى "قصة الخلاص والبطولة"، فإن ما أعقبها يعزّز فكرةً مُناقضة تقول إنها تمثّل، شأنها شأن قصة "إقامة الدولة الصهيونية"، كل ما هو متعلّق بالاحتلال والتهجير والكولونيالية والتطهير العرقي.
يرى المؤرخ الإسرائيلي نفسه أن حملات يشوع ما تزال تشكل نموذجًا يُحتذى بالنسبة إلى مستوطنين كولون كثيرين في مناطق 1967، ناهيك عن أنها كانت بمثابة هادٍ لديفيد بن غوريون، كما شفّت عن ذلك مثلًا توصيفاته نتائج حرب 1948 التي لجأ فيها إلى تعابير مُستلة من التوراة.
ولماذا نعود إلى الوراء؟ في يوم 2 نيسان/إبريل الجاري، أقيمت في إحدى قواعد سلاح الجو الإسرائيلي مراسم إدخال منظومة الدفاع المضادة للصواريخ متوسطة وبعيدة المدى "العصا السحرية" إلى الخدمة العملانية، وأعلن فيها أنها من الآن فصاعدًا ستُسمى "مقلاع داود". وتكلم في تلك المراسم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، موضحاً أن "من يهدّد وجودنا" يعرّض نفسه إلى "خطر وجودي".
وقال إن لهذا الموقف أصولًا قديمة، فـ"مرج هائيلا حيث تغلب داود على جوليات بواسطة المقلاع، ليس بعيدًا عن القاعدة الجوية. والملك داود دافع عن اليهود من أعدائهم قبل 3000 عام، وقام بذلك بشجاعة غير عادية وقدرة غير مألوفة على الاختراع. وبصفتنا شعبًا قديمًا يحب الحياة نواصل المشي على درب الملك داود. حربته في يدنا، ومقلاعه في سمائنا، ونجمة داود مرسومة على علمنا. وبذا نضيف القوة إلى الروح"!.

دلالات