الجميع يريد أن يصبح رئيساً

الجميع يريد أن يصبح رئيساً

18 ابريل 2017

من قاعات قصر قرطاج الرئاسي في تونس (الأناضول)

+ الخط -
لا يزال قصر قرطاج يغري الطامحين والطامعين من السياسيين في تونس، على الرغم من تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وفق فلسفة الدستور للنظام السياسي الجديد. لقد جرد رئيس الجمهورية من عديد الأدوات والآليات التي كان يتمتع بها من قبل، ومنحت لرئاسة الحكومة، وهو ما أنهى النظام الرئاسي، بل الرئاسوي الذي ساد في البلاد نصف قرن.
لا يعني ذلك أن رئيس الدولة تحوّل إلى مجرد صورة باهتة، إذ خلافاً لهذا الانطباع، عمل الباجي قايد السبسي، منذ قرّر الترشح للانتخابات الرئاسية، على التأكيد على أن صلاحيات الرئيس عديدة وواسعة. وقد تعزّز هذا الانطباع، أو لنقل هذه القراءة لنصوص الدستور، عندما انتصر حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية، ما مكّن السبسي من اختيار من يرضى عنه، ويكون قابلاً للتكيف مع اختياراته وقناعاته السياسية.
انطلقت عملياً الانتخابات الرئاسية في وقت مبكّر جداً. هناك انتقادات صارمة وجهت لمن يقف وراء هذه المبادرة. هناك وجوه عديدة اشرأبت نحو قصر قرطاج المطل على مياه البحر المتوسط الدافئة.
اعتقد بعضهم أن الباجي السبسي لن يصمد طويلاً بحكم سنه، وما قيل عن وضعه الصحي، وأنه سيلقي المنديل بعد أشهر معدودات، لكن الرجل أظهر قدرة ملحوظة على الصمود والمتابعة، وعلى الحضورين، الذهني والبدني. وهو ما جعل احتمال حدوث فراغ رئاسي مفاجئ أمراً مستبعداً حتى الآن. لكن، لا يزال مستبعداً أن يفكر الرجل في خوض التجربة من جديد، لأنه يعلم أنه لو فعلها لأضرّ كثيراً برصيده السياسي الذي حصده بعد الثورة.
لقد استوت الرؤوس، وكل واحد من أصحاب هذه الرؤوس أصبح يمنّي نفسه بالقول: لِمَ لا أكون أنا الرئيس المقبل لتونس؟. من هؤلاء، على سبيل المثال، المنصف المرزوقي، الحريص على أن ينتقم لنفسه، بعد أن خسر معركة البقاء في قصر قرطاج قبل سنتين. وتقف حركة النهضة حائرةً في هذه الأجواء المشحونة بعدم اليقين: هل تدفع برئيسها في قلب هذه المغامرة، أم عليها أن تلجم طموحها في الغلبة، وأن تدرك بالخصوص أن من شأن خطوة من هذا القبيل أن تنقلب عليها، فتكون خسائرها أكبر بكثير من المكاسب المفترضة؟
التطلع إلى الرئاسة طموح مشروع، في بلد بقي متعطشاً للديمقراطية فترة طويلة، لكن التونسيين بدا عليهم الإرهاق، وأصبحوا يشعرون كأنهم يطحنون الماء، لأن الديمقراطية التي لا تؤدي إلى تغيير فعلي، وتفتح المجال نحو مستقبل أفضل، قد تتحول إلى نظام عقيم. لا تحتاج تونس حالياً إلى رئيس جديد، بقدر حاجتها إلى الوضوح والصدق والإرادة السياسية والقدوة الحسنة.
ما يُخشى هو أن تختزل الحياة العامة في منطق انتخابي أجوف، يخفي وراءه مجرّد رغبات شخصية ومصلحية متنافرة، بعد أن أصبح الوصول إلى قصر قرطاج رحلةً يسيرة، من دون التفكير في الخطوة الموالية.
قائمة المرشحين، أو الذين ينوون الترشح، تتسّع يوما بعد يوم، لكن التونسيين غير مهتمين بهذا السباق الذي لا يزال موعده بعيداً، مقارنةً بأولويات أخرى أكثر إلحاحاً وأهمية، وفي مقدمتها إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس