المغرب في المؤشر العربي

المغرب في المؤشر العربي

16 ابريل 2017
+ الخط -
حمل المؤشر العربي لعام 2016 الذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات معطياتٍ في غاية الأهمية بشأن المغرب، لا يخلو بعضها من دلالاتٍ سياسيةٍ واضحةٍ، تنتظم في ثلاثة استنتاجات أساسية:
أولا، تتجه الطبقة الوسطى في المغرب لتصبح عصب الصراع السياسي والاجتماعي، على الرغم من الإكراهات التي تواجهها، فقد اعتبر 52% من المستجوَبين أن أوضاع أسرهم الاقتصادية جيدة، في حين رآها 34% سيئة. أما بالنسبة لدُخولهم، فرأى 42 % أنها بالكاد تغطي نفقات الاحتياجات، فيما أكد 30% أنهم يواجهون صعوبةً في تغطية هذه الاحتياجات.
كذلك، اعتبر المستجوَبون بنسبة 32.2% أن البطالة أهم مشكلة تواجه المغرب، يليها ضعف الخدمات العامة بنسبة 12.2%، والفقر بنسبة 10.1%. وفيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، أكد 59% منهم (من النسب المرتفعة في العالم العربي، حسب المؤشر) أنهم يستعملونها للحصول على أخبار ومعلومات سياسية، وأكد 53% أنهم يستعملونها للتعبير عن آرائهم في أحداث سياسية جارية.
ماذا تعني هذه الأرقام؟ وما دلالاتها؟ في السوسيولوجيا، يُمثل الوضع الاقتصادي معياراً رئيسياً في تحديد الطبقة الوسطى، وموقعها داخل المجتمع. فحين يعتبر 42% من المستجوبين أن دخلهم بالكاد يغطي نفقات الاحتياجات، و30% منهم يواجهون صعوبة في تغطية احتياجاتهم، فهذا يعني أن نسبة مهمةً من سكان المغرب تتموضع، بشكل أو بآخر، داخل هذه الطبقة، بمختلف فئاتها وشرائحها. صحيحٌ أنها تواجه ضغوطا كثيرة، تدفع بها نحو زاويةٍ محصورة، تفقد فيها مكتسباتها الاجتماعية والثقافية، وتخفت حدّة تطلعاتها نحو المشاركة في السلطة والثروة، إلا أن ارتفاع منسوب التسييس، لا سيما بين شرائحها الحضرية، ومقاومتها مختلف أشكال التجريف الاجتماعي والثقافي الذي تتعرّض له بتفقير قاعدتها والتلكؤ في إصلاح منظومة التربية والتكوين، وإقبالها المتواتر على تقنيات الاتصال الحديثة، وانخراطها في العولمة، ذلك كله يجعلها رقما صعبا في معادلات السياسة في المغرب الراهن.
ثانيا، لا تأخذ الدينامية التي تعرفها هذه الطبقة دلالاتها من دون ربطها بمتغيرات الوضع 
السياسي، حيث اعتبر 41 % من المستجوَبين هذا الوضع سيئاً، واعتبر 34% أن ضمان المساواة والعدل كفيل بجعل المغرب بلدا ديمقراطيا. أما بالنسبة للخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة، فاعتبرها 61% منهم سيئة، و86 % اعتبروا أن الفساد المالي والإداري مستشرٍ.
تُترجم هذه الأرقام حيوية سياسية لافتة، ورأيا عاما يقظا ومتابعا لما يحدث، يتفاعل مع واقعه ويستوعبه، ويُقيِّمه انطلاقا من المتغيرات الحاصلة في المنطقة والعالم. لم يعد الإعلام الرسمي قادرا على تدجينه وتوجيهه حيث تريد السلطة ودوائرُها المختلفة. هناك تنامٍ ملحوظ للوعي بأهمية الحقوق والحريات والمساواة أمام القانون والمواطنة المسؤولة، باعتبارها مداخل أساسية لإقامة نظام ديمقراطي مساير للعصر.
غير أن اللافت الأرقام التي قدمها المؤشر بشأن تقييم الرأي العام للمؤسسات، فإذا كانت نسبة الثقة في الجيش بلغت 85%، وفي الشرطة 73%، وفي القضاء 52%، فإن 51% من المستجوبين لا يثقون في الحكومة، و65% لا يثقون في البرلمان، و72% لا يثقون في الأحزاب السياسية.
تؤكد أدبيات الانتقال الديمقراطي على أهمية ثقة المواطنين في المؤسسات لضمان تحول هادئ، وبأقل الخسائر، نحو الديمقراطية، لا سيما فيما يتعلق بالمؤسسات الوطنية والحيوية الكبرى، مثل الجيش والشرطة، وهو ما يبدو متوفرا في الحالة المغربية. لكن ذلك يبدو غير كافٍ في ظل تأكيد المؤشر على ضعف الثقة في البرلمان والأحزاب والنخب التي تبدو غير مواكبة للتطور الحاصل في بنية المجتمع المغربي، وهو ما تكشف عنه المستجدّات التي رافقت، أخيرا، تشكيل حكومة سعد الدين العثماني.
في السياق نفسه، كشف المؤشر أن 44% يرون أن هذا المجتمع مهيأٌ لممارسة النظام الديمقراطي، و75% يرون أن نظاما سياسيا تعدّديا تنافس فيه الأحزاب، مهما كان انتماؤها ملائماً للمغرب. لا ينبغي التقليل من أهمية هذين الرقمين في مجتمعٍ لا يزال يعرف حضورا مؤثرا للبنيات التقليدية، ما يعني أن هناك حراكا مجتمعيا هادئا، تتجاذبه مختلف أنماط الوعي والتفكير والسلوك الوافدة من التقليد والحداثة على حد سواء.
ثالثا، لم تخل الأرقام التي أوردها المؤشر من دلالاتٍ تخص المجتمع المغربي في علاقته 
بالإسلام السياسي، في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر منها المنطقة العربية، إذ اعتبر 74 % أنهم يقبلون استلام حزب إسلامي السلطة إذا فاز في انتخابات حرة ونزيهة، ويرى 73% أن نظاما سياسيا تتنافس فيه فقط الأحزابُ غير الدينية غير ملائم للمغرب، والشيء نفسه بالنسبة للأحزاب الإسلامية، حيث يرى 53% أن نظاما سياسيا يقتصر عليها فقط لا يلائم المغرب.
في المقابل، يرى 28% أن نظاما محكوما بالشريعة الإسلامية من دون وجود انتخابات أو أحزاب سياسية ملائمٌ للمغرب، كما أن 45% يقبلون أن يستلم حزب علماني السلطة، في حالة فوزه في انتخابات حرّة ونزيهة، في حين عبر 39% عن عدم قبولهم ذلك.
كيف نفسّر هذه الأرقام في أبعادها السياسية؟ هناك نزوعٌ واضح داخل المجتمع نحو قبول الإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل بقواعد العمل الديمقراطي، والاختلاف، والتناوب على السلطة، وإدارة الانقسامات من خلال التفاوض والتوافق، مثله مثل غيره من التنظيمات والتيارات السياسية الأخرى دونما إقصاء. لكن، في الوقت نفسه، هناك اتجاه مجتمعي لا يزال يرى في الديمقراطية سلعةً غربيةً وافدةً ودخيلةً لا تلائم المغرب. ولذلك، لا يتردّد في إبداء رغبته في إقامة نظام سياسي تحكمه الشريعة الإسلامية، في غياب مقوماتها من أحزاب وانتخابات وتداول سلمي على السلطة.
يعني هذا أن هناك استقطاباتٍ مجتمعيةً حادةً تنتظم، في معظمها، حول الإسلام السياسي وموقعه داخل الحقل السياسي. لكن، على الرغم من ذلك، هناك بؤرة توافق كبرى تتشكل داخل المجتمع، تغذّيها عوامل على قدر بالغ من الأهمية، أبرزها الانفتاحُ النسبي الذي تتميز به الحياة السياسية في المغرب، وسيرورات الاحتراب السياسي والأهلي التي تعرفها أقطار عربية شقيقة.
قد لا تعكس الأرقام الواردة في المؤشر العربي مختلف جوانب التدافع الاجتماعي والسياسي الحاصل، لكنها على الأقل تسمح لنا بقراءتها وإعادة تركيبها ووضعها في سياق تحليلي على ضوء ما يستجد في المغرب والمنطقة.