أبو إيفانكا منحبك

أبو إيفانكا منحبك

16 ابريل 2017

حفاوة وتكريم في تسمية ترامب أبو إيفانكا (9/4/2017/Getty)

+ الخط -
أضحكني إطلاقُ لقب "أبو إيفانكا" على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأضحكتني أكثر العبارة الاحتفالية التي كتبها أحدُ نشطاء "فيسبوك" تحت صورة ترامب على إثر إطلاق البوارج الأميركية صواريخَ توماهوك على مطار الشعيرات: "أبو إيفانكا، منحبك". 
سأحدّثكم في هذه المساحة عن ولعنا، نحن السوريين، بتسمية الطفل الوليد باسمِ جَدّه لأبيه، حتى أصبح هذا الأمرُ سلوكاً شبهَ إجباري، إذ لا يجوز أن يطلق المرءُ على ولده (الذكر) الأول اسماً آخر غير اسم أبيه، وقد تطوّر هذا الوضع حتى أصبحنا نطلقُ على الشاب الأعزب أبا فلان، مستخدمين اسم أبيه، فنحن، مثلاً، الإخوة التسعة، كنا نُعْرَفُ باسم "أبو عبد العزيز" قبل أن نتزوّج، وقبل أن ننجب، وحينما شذذتُ أنا عن القاعدة، وأطلقت على ابني الأول اسم مرداس، استنكر معظمُ أصدقائي فعلتي هذه، وكل من التقيتُه بعدها كان يسألني: ليش ما سميت ابنك على اسم أبوك يا أبو عبدو؟ وأما أخي دريد فقد التزم بالقاعدة، وأسمى بكرَه عبدَ العزيز، وحينما جاء ولدُه الثاني أسماه عقبة، ثم أراد أن يغير اسمه إلى وسام، فتقدم بدعوى قضائية لتعديل قيده في السجلات الحكومية، وأتى بشاهدٍ من أصدقائه، وحينما مثُل الشاهدُ أمام القاضي وسأله: ما هو اسم الوليد، عقبة أم وسام؟ أجابه: عبد العزيز!

بقيت هذه النغمة مسيطرةً على ساحة تفكيرنا بعدما دخلنا في عالم السياسة، إذ نادراً ما كنتَ تجدُ بيننا مَن يذكر الاسم الرسمي لجمال عبد الناصر، فكنا نقول عنه أبو خالد، وأحياناً "الأسمر أبو خالد". وأسمينا معمر القذافي "أبا سيف الإسلام"، وياسر عرفات أبا عمار، وحافظَ الأسد أبا سليمان. واعتباراً من سنة 1990، غيرنا اسم حافظ إلى أبي باسل، وذلك لتتآلف الجماهير الكادحة مع اسم قائدها القادم (باسل الأسد أبي حافظ). وأما أسد السنّة صدام حسين فهو أبو عدي. وتيمناً بهؤلاء الأُسُود، أسمى أحدُنا ابنه حافظ، والثاني أسماه جمال، والثالث عبد الناصر، والرابع عدي، والخامس عمار، والسادس معمر.. ويوم تمكّن جورج بوش من طرد جيش صدّام حسين من الكويت، أسمى أحد مبغضي صدّام ابنه جورج بوش.
في الفترة الأولى لتسلم باراك أوباما مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، فرحنا فرحَ العيد، وذهبنا إلى محرك البحث (google) ونكشنا اسم أبيه، وأطلقنا عليه اسم أبي حسين، وهمس بعضنا في أذن الآخر، قائلاً إن أبا حسين هذا، المنحدر من أصل أفريقي مسلم، سيلعن سنسفيل اليهود الصهاينة، وينتصر لقضايانا كلها. ولكنه خيّب أملنا، إذ اشتغل لمصلحة إسرائيل، وساعد على تهيئة الظروف لتدمير سورية وإبقاء أبي حافظ جاثماً على صدورنا، فنزعنا عنه لقب أبي حسين، واضطررنا للانجرار وراء التمييز العنصري، ورحنا نسبّه، ونسبّ إخوتنا الزنوج لأجله.
من المعيب، عندنا، أن يسمّي الواحد نفسه أبا فلانة، وأذكر أنني، في سنة 1981، بعد ولادة ابنتي البكر، كنت أُسْأل عن لقبي فأقول أبو ريتا، فلا يتقبله الآخرون، وأصرّوا على استعمال اسمي القديم "أبو عبدو".. والحقيقة أن استخدام اسم الأم أو الابنة، في معرض إطلاق الألقاب، ينطوي على شيء من التحقير. ولذلك ترى نشطاء "فيسبوك" يطلقون على بشار الأسد لقب أبو أنيسة، ولكن الأمر مختلفٌ جداً مع دونالد ترامب، فتسميته أبو إيفانكا فيه الكثير من الحفاوة والتكريم، وإن كان قد حمل قصفه مطار الشعيرات رسالة إلى إيران بضرورة أن تخرج، هي وأزلامها، من سورية، ورسالة إلى روسيا بأن أميركا موجودة، ولا يمكن تجاوزها، ورسالة إلى كوريا الشمالية، مفادها أننا حينما نغضب نضرب، وإلى أبي حافظ تنصّ على أنه يصدّق أن إيران وروسيا قادرتان على إبقائه في السلطة، فإن رسالتنا الجوابية هي أننا لم نقبل قط بأن يكنى رجلٌ باسم ابنته، ولكننا سنتجاوزها إكراماً لخاطرك، يا أبو إيفانكا.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...