هذه الهواجس الانقلابية في بغداد

هذه الهواجس الانقلابية في بغداد

15 ابريل 2017
+ الخط -
تراقب إيران، والمؤيدون لها من أرباب العملية السياسية في العراق، تحرّكات رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، والتي تدل أغلب مؤشراتها على جنوحه عن الخط العام المؤيد لنظام ولاية الفقيه، وما تعنيه من توفير كل الإمكانات لإنجاح ما يطلق عليه، وفق هذا النظام، "تصدير الثورة". جنوح العبادي الحذر، وربما الماكر إلى حد ما، صوب القدرة (والقوة) الأميركية في مرحلة توليه سلطاته رئيساً لمجلس الوزراء، هو حالة من العجز عن مواجهة الفلتان الأمني والسياسي في البلاد، مع تراجع مخيف في قدرات العراق الأقتصادية بسبب تدهور أسعار النفط (المصدر الرئيس للدخل)، وبسبب كلفة الحرب على "داعش"، إضافة إلى مساهمة العراق، ومنذ فترة سلفه نوري المالكي، في دعم الاقتصاد الإيراني الذي كان يعاني من حصار غربي، وكذلك دعم نظام بشار الأسد في سورية، كل هذه المخاوف صاحبها حالة تذمر شعبي وانتقادات دولية وأممية معلنة.
قد يكون فوز الرئيس دونالد ترامب وتوليه السلطة في الولايات المتحدة بارقة أمل أو طوق نجاة للعبادي، بما قدم ترامب به نفسه من تجاوزه الصيغ التقليدية في بسط هيمنة أميركا على مناطق النزاع الرخوة في العالم، وهو ما يفسر حالة الترحيب الاستثنائية بالعبادي في البيت الأبيض من جهة، وحالة الفرح والزهو التي عاشها هناك، متنقلا بين مقر الرئيس الأميركي والكونغرس أو مراكز الدراسات وصنع القرار هناك.
راقب الجميع في داخل العملية السياسية في العراق تفاصيل تلك الزيارة، ونقل المقربون من
 إيران، والذين كانوا بصحبة العبادي، كل شاردةٍ وواردةٍ حصلت هناك، باستثناء اللقاء المباشر الشخصي بينه وبين الرئيس الأميركي ترامب. وعلى هذا الأساس، نوّه نوري المالكي إلى هذا الجانب من الزيارة واللقاءات بالقول "أخشى أن تتسلل إلينا بعض الأفكار الهدامة، وتدخل علينا النملة السوداء على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء". وأضاف أيضا، في كلمته في ذكرى رحيل مؤسس حزب الدعوة محمد باقر الصدر (9 أبريل/ نيسان)، إن "المؤامرات الناعمة والأفكار التي تتسلل إلى العملية السياسية تحتم اتخاذ الحيطة والحذر، لأنها تهدف إلى وضع مطبات وعوائق أمام عمل الحكومة الداخلي، بتأييد من دول خارجية". وبالطبع، فإن هذه الدول هي الولايات المتحدة تحديدا ثم آخرون في الأقليم، وخصوصا المملكة العربية السعودية.
كانت تلميحات المالكي، وغيره من قادة حزب الدعوة الحاكم، والذي يمثل حيدر العبادي أحد قادته أيضا، تمثل بداية الضوء الأخضر لانطلاق عمليات إثارة حفيظة العبادي من قضية إمكان تورّطه مع واشنطن، لتقليم أظافر إيران ومليشياتها في العراق. وعبّر عن ذلك بدايةً أوس الخفاجي، قائد مليشيا أبوالفضل العباس بقوله علنا "إن الانقلاب العسكري وعزل حكومة العبادي هو السبيل الوحيد لاستعادة القرار العراقي المرتهن لواشنطن"، فيما وصف قادة مليشيات آخرون العبادي بـأنه "عميل" و"خائن".
بالطبع، تراهن إيران، وكذلك رجالاتها في العملية السياسية في العراق، على مليشيا الحشد الشعبي في العراق، لإحداث أي انقلاب أو لكبح جماح وربما اغتيال أي مسؤولٍ يحاول بسط هيمنة القوات الأميركية هناك على حساب ميزان القوة الذي كان بالمطلق لصالح طهران، كما أن إيران أيضا تعتبر أن قدرات العبادي محدودة جدا، ولا يملك أية قوة عسكرية تمكّنه من تحجيم دور إيران في بلاده، على اعتبار أن وزارة الداخلية العراقية، بوزيرها القيادي في منظمة بدر، هي من حصة إيران، وأنها تملك إرادة كثيرين من قادة القوات المسلحة العراقية، فيما يراهن رئيس مجلس الوزراء العراقي (وفق هذا السيناريو) على آلاف الجنود الأميركان في غرب العراق وشماله وشرقه، وعلى الدعم اللوجستي الذي يمكن أن توفره له واشنطن، ناهيك عن قناعته بقدرتها على حمايته شخصيا، كما أن العبادي يراهن على بعض قادة الجيش الذين استطاع أن يكوّن معهم علاقات جيدة خلال معارك الفلوجة والموصل، ومستغلا تذمرهم من تجاوزات الحشد الشعبي على القوات المسلحة من جهة، وعلى عموم المواطنين العراقيين من جهة أخرى. وأخيرا، سيكون العبادي، وبتنسيق أميركي، مدعوما من رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، خلال فترة إعادة التموضع الأميركي في العراق.
تزداد حالة الترقب القصوى بين طرفي المعادلة الصعبة في العملية السياسية العراقية الآن 
ساعة بساعة، ويترقب الجميع لحظة المفاجأة؛ حتى بات زعيم التيار الصدري يتحدث مرارا عن توجه حقيقي لاغتياله، وهو المسمار الذي سيدقّ في نعش النظام السياسي القائم في العراق، بما سينتج عنه من فوضى، لا يمكن تصوّرها، ومآلات لا يمكن توقعها إلا من المخطط لهذا الحدث الكبير، فيما إذا وقع فعلا.
الطرف الآخر (المالكي والحشد الشعبي ومن يوالي إيران) يتوقعون أيضا أن يقوم رئيس مجلس الوزراء بالانقلاب عليهم، وعلى إيران، بعد أن تضع عمليات تحرير الموصل أوزارها، فيتم القبض على قادة هذه المليشيات أو تصفيتهم، ثم تكريم مقاتلي الحشد، وتخييرهم بين التطوع في صفوف القوات المسلحة أو التسريح منها. ترافق ذلك مصادرة كل الأسلحة التي في حوزة الحشد الآن، مع إعلان حالة طوارئ محدودة، يتيح من خلالها للقوات الأميركية، وبموجب الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، حماية (النظام الديمقراطي) في العراق، وهو ما باتت الأخيرة مستعدة له تماما، في ظل تقبّل شعبي لوجود أميركي، يضمن إخراج النفوذ الإيراني من بلادهم إلى غير رجعة.
الأيام حبلى بالأحداث، والجميع ينتظر من سيقوم بالحركة الأولى ثم تداعياتها، لكن أجواء الانقلاب وهواجسه، سواء من هذا الطرف أو ذاك، حاضرة في أذهان السياسيين ومليشيا الحشد الشعبي بشكل خاص، ولدى عموم العراقيين.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن