بعد هدوء العاطفة

بعد هدوء العاطفة

15 ابريل 2017
+ الخط -
بعد أيام من انفجاري أحد السعف (كما نقول في مصر) في كنيستي طنطا والإسكندرية، وبعد أن أطلقنا العنان للقلب يقول ما يشاء، وللعاطفة لتعبّر عن نفسها كما تحب، هل لنا في وقفة نستمع فيها لصوت العقل ونبض الضمير وهدوء الحكمة؟
الحادث ليس الأول (أتمنى أن يكون الأخير) فتفجير الكنائس مستمر منذ العام 2010 (كنيسة القديسين) والاعتداءات على الكنائس متواصلة قبل ذلك. هذه حقيقة لا جدال فيها، ومنع تكرار هذه التفجيرات نوع من الفشل (حقيقة أخرى)، كما أنّ من تعريفات الغباء الإصرار على الحلول نفسها للمشكلة نفسها مع توقع نتيجة مختلفة، فنحن أمام حدث يتكرّر، يواجه بفشل وغباء.
يعتقد بعض المصريين أنّ النظام الحالي لن ينجح أبدا في أي شيء، فمن قتل وحرق المصريين أحياء لن يُكتب له النجاح في أي شيء، ويعتقد آخرون أنّ النظام الحالي مثالي ولا يخطئ، وكلّ ما يفعله صواب، ويجب تأييده والسير وراءه من دون النظر إلى كلّ ما يحدث ويرونه بأعينهم، وترى الغالبية من المصريين أنّ النظام (مثل أيّ نظام) يجب أن يتعرّض للنقد والاختلاف، إن أخطأ وفشل، والتأييد والتصفيق إن أصاب وأجاد.
الحديث المستمر والمكرّر حول قوى الشر والمؤامرة الدولية ضد مصر (تمّ تقديم مساعدات دولية لمصر بأكثر من 30 مليار دولار خلال الـ 3 سنوات السابقة!)، أصبح حديثاً منزوع خيره (كما نقول) ولا قيمة له ولا يصدّقه أحد، تماماً كالحديث حول عدم وجود قصور أمني ورجال الأمن الشرفاء الشهداء الأبطال. كلّ هذا الحديث للأسف يزيد المشكلة، ولا يحلّها، فإنكار المرض ليس خطوة في طريق الشفاء، كما أنّ إصرار الطبيب (مع عدم تحسن المريض) على وصف العلاج كلّ مرة واتهام المريض أنّه لم يتناول العلاج جريمة يعاقب عليها.
لم تجف دماء الضحايا بعد، ولم يكتمل صعود أرواح الأبرياء وبدأ الخلاف والتجاذب والتناطح على صفحات "فيسبوك" (البرلمان الشعبي) حول من أنقذ الكنيسة والمصلين بداخلها، هل هو الرائد عماد المكلف بحمايتها أم عم نسيم حارسها؟ وبدأت الصفحات تؤيد هذا وتنفي عن ذاك، والعجيب أنّ الاعلام النظامي ومؤيديه يتحدثون عن اللحمة الوطنية وعنصري الأمة وتشابك الأيادي.
لا يمكن ولا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال، فهناك أزمة حقيقية تعيشها مصر، هناك أزمة ثقة بين المسيحيين والنظام، وهناك أزمة حقوق بين المسلمين والمسيحيين، وهناك أزمة وطن ودماء بين النظام والمسلمين، ولن يجدي نفعاً إنكار ذلك كله، وإذا لم نواجه كلّ هذه الأزمات والمشكلات بصراحة وشجاعة، فلن يتغيّر شيء، ولن يستطيع قانون الطوارئ (المستمر منذ أكثر من 30 سنة) ولا ترهيب الإعلام وتخويفه، ولا تشكيل المجالس العليا ونصف العليا، ولا كلّ المسميات التي يخترعها النظام للاستهلاك المحلي.. لن يستطيع ذلك كله تقديم أيّ حل.
أفيقوا وأنقذوا مصر قبل فوات الأوان.
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)