هل يمرّ قانون المصالحة في تونس؟

هل يمرّ قانون المصالحة في تونس؟

14 ابريل 2017

احتجاج في تونس ضد مشروع قانون المصالحة الاقتصادية (25/7/2017/Getty)

+ الخط -
لا تزال التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، منذ بداية سنة 2011، تاريخ إسقاط الديكتاتورية، من أهم المشكلات التي واجهت الحكومات المتعاقبة في البلاد، لا سيما أن المؤشرات تدّل على أن تونس تسير بخطى متسارعة نحو الانهيار الاقتصادي والمالي، في ظل عجز واضح من حكومة يوسف الشاهد عن الدخول في حرب ضروس على الفساد والفاسدين على جميع المستويات، وفي كل القطاعات التي أضرّت بسمعة تونس واقتصادها.
وهناك إجماع في تونس على أنه لا خروج من أزمات البلاد من دون تطبيق قانون المصالحة الوطنية، لا سيما أن رئاسة الجمهورية ستعرض، منتصف الأسبوع المقبل، الصيغة المُعدلة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية أمام لجنة التشريع العام في مجلس نواب الشعب، والدفاع عنها، بهدف تمريرها إلى مرحلة التصويت على مستوى الجلسة العامة، فقد جدّدت العودة المرتقبة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الجدل بشأن هذه المبادرة التشريعية التي تقدمت بها رئاسة الجمهورية منذ 16يوليو/ تموز 2015، ولم تفلح إلى الآن في تحويلها إلى نص قانوني نافذ المفعول. وقد جُوبه هذا المشروع، منذ إعلانه، بمعارضة شبابية تزعمتها "حملة مانيش مسامح"، ونواب من عدة أطراف سياسية (الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي والحزب الجمهوري) الذين دعوا إلى سحب المشروع من مجلس النواب، الأمر الذي أدّى إلى تعطيله، وجعل الرئاسة تعبر عن استعدادها لتعديله، خطوة أولية لاحتواء الزخم المناوئ له.
في ضوء ذلك، عكف خبراء على تعديل مشروع القانون المذكور، بناء على توصيات لجنة
خاصة، ومحاضر جلسات لجنة التشريع العام، فتضمنت التعديلات إخراج اللجنة المكلّفة بالنظر في مطالب الصلح من رئاسة الحكومة إلى لجنةٍ مستقلة في مسار العدالة الانتقالية، وفي سياق دعم الشفافية في عملها، وتحقيق أكبر توافق ممكن حولها. ومع اقتراح توسيعها، لتشمل ممثلين عن الرئاسة ووزارات العدل والمالية والتنمية والاستثمار وعضوين عن هيئة الحقيقة والكرامة والمكلف العام بنزاعات الدولة أو من يمثله، وقضاة ينتمون إلى القضاء العدلي والإداري والمالي، وممثلين عن كل من الهيئة الوطنية للمحامين وعن الخبراء المحاسبين وعن المجتمع المدني، واقتراح أن تؤول رئاستها إلى رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد.
يرى المدافعون عن قانون المصالحة الاقتصادية أنّ النص القانوني تم طرحه لإنجاح مسار العدالة الانتقالية في مجال الانتهاكات المالية، ولتحسين مناخ الأعمال والتشجيع على الاستثمار، وتسوية الوضعيات العالقة، وتعبئة موارد الدولة من العملة الصعبة. وإذا كان لانكماش الوضع الاقتصادي في تونس أسباب خارجية، مثل المناخ الاقتصادي الدولي، وبينها الاستثمار الخارجي، فإنه مرتبطٌ كذلك بعوامل داخلية، منها تأثر الوضع الاقتصادي جرّاء "انكماش" الإدارة وكبار الموظفين والمستثمرين التونسيين. ويرى المدافعون عن قانون المصالحة الاقتصادية في تونس أيضًا أن المؤشرات الاقتصادية تثبت اليوم أن كلفة "اللامصالحة" باهظة الثمن، على اعتبار أن تواصل اللامصالحة يؤثر في مردودية الإدارة، ويزيد تدهور وضعية البنوك والتمويل، نظرا إلى خشية فئة واسعة من رجال الأعمال الاستثمار في حالة "اللاستقرار" التي يحتاجون فيها إلى ثقة وضمانات.
وهكذا بدت المغامرة الرئاسية التي طرحت مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي يخص تسوية أوضاع أكثر من 7000 موظف و400 من رجال الأعمال المتورّطين في جرائم الفساد، ونهب المال العام من خزينة الدولة، غير معنية بمواقف القوى السياسية الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني، والرأي العام التونسي الذي يزداد مطالبة بتطبيق العدالة الانتقالية التي لا تعني الانتقام، بل تعني في عمقها المصالحة التي تتم عن طريق المساءلة وكشف الحقيقة، والتي تمثل توطئة لتحقيق غايات سامية متعددة الجوانب، مثل محاربة الإفلات من العقاب، وردع انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل، أو الحيلولة دون حدوثها، وتلبية مطالب الضحايا والدفاع عن حقوقهم، ومحاكمة المرتكبين المشتبه بهم للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وتطالب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الدولة التونسية بكل مؤسساتها بإسقاط
مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، لأنه يتنافى مع مسار العدالة الانتقالية، باعتبارها عملية متعدّدة الأوجه، تتجاوز النهج القانوني الرسمي لمفهوم العدالة المعروف، والذي نص عليه الدستور وهيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت للإشراف على مسار هذه العدالة الانتقالية، ببعديها السياسي والاقتصادي، مثلما نصّ على ذلك القانون الذي أحدثها، وتحديدًا الفصل 53، فهذا المشروع يُعَدّ ضَرْبًا لهيئة الحقيقة والكرامة، واعتداءً عليها وعلى صلاحياتها، ولاسيما على صلاحيات لجنة التحكيم والمصالحة التابعة لها، فمن بين مشمولات هيئة الإشراف على مسار العدالة الانتقالية الانتهاكات في مرحلة الديكتاتورية، وتطبيق استراتيجيات مكافحة الإفلات من العقاب أو "العدالة الانتقالية"، لا سيما فيما يتعلق بكشف الحقيقة ومحاسبة الفاسدين، وإيجاد ضمانات عدم العودة إلى ما وقع في عهد الديكتاتورية وجرائم الفساد ونهب المال العام قبل الثورة، وجبر الأضرار والإنصاف للضحايا، ومطالبة الدولة التونسية بتنفيذ سياسة التنحية، والعقوبات والإجراءات الإدارية الخاصة بالموظفين الكبار والصغار ورجال الأعمال المتورّطين في جرائم الفساد. كما على الدولة التونسية أن تشارك في عملية الإصلاح المؤسسي لدعم سيادة القانون، واستعادة ثقة الجمهور، وتعزيز الحقوق الأساسية، ودعم الحكم الرشيد.
E8457B4F-E384-4D2B-911B-58C7FA731472
توفيق المديني

كاتب وباحث تونسي، أصدر 21 كتاباً في السياسة والفكر والثقافة