أعان الله الدبلوماسية التونسية

أعان الله الدبلوماسية التونسية

11 ابريل 2017

يتظاهر أمام السفارة الروسية في تونس انتصارا لحلب (15/12/2016/الأناضول)

+ الخط -
نعم، أعان الله الدبلوماسية التونسية على الخروج من المطب السوري بأقل ما يمكن من الأضرار. لقد تحوّل هذا الملف إلى ما يشبه كرة النار. كلما حاول أن يلمسها التونسيون إلا واحترقت أطراف أصابعهم من كل جهة.
وجد المسؤولون الحاليون، وفي مقدمتهم الباجي قايد السبسي أنفسهم أمام قرار سابق اتخذه الرئيس منصف المرزوقي، حين قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية. وعلى الرغم من الوعود الانتخابية التي ألزم السبسي نفسه بها في حملته الرئاسية، معلناً بأنه سيعيد العلاقة مع دمشق بعد انتخابه مباشرة، إلا أن الواقع الإقليمي والدولي جعله، بعد ثلاث سنوات، غير قادر على استقبال سفير لنظام الأسد في تونس، وبالتالي عاجزاً عن إبطال الخطوة الاستباقية التي أقدم عليها سلفه.
عندما تم عرض ملف سورية على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، احتفظت تونس بصوتها حتى تتجنب إدانة نظام الأسد، وهو ما اعتبره بعضهم بداية حلحلة للموقف التونسي. وازداد ذلك وضوحاً على إثر استهداف أطفال ونساء بمواد كيمياوية سقطوا في قرب إدلب، حيث تجنبت الخارجية التونسية الإشارة إلى مسؤولية النظام، واكتفت بالتنديد بما وصفته "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، لا يمكن تبريره بأي شكل". وعبّرت عن دعمها "مساعي منظمة الأمم المتحدة للتحقيق في هذه العملية الفظيعة بغاية تحديد المسؤوليات، ومحاسبة المسؤولين عنها طبقا للقانون الدولي".
لكن، لم يمض على الحادثة الفظيعة سوى ساعات قليلة، حتى حصلت الضربة العسكرية الأميركية المفاجئة التي استهدفت قاعدة الشعيرات في ريف حمص، والتي كشفت عن حصول تحوّل قد يكون نوعياً في سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه الأزمة السورية، وفي موقفه من بشار الأسد. هنا فضلت الدبلوماسية التونسية ملازمة الصمت، في انتظار أن ينقشع الضباب، ويتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ويعود هذا الصمت إلى ما يمكن تفسيره بمحاولة من رئاسة الجمهورية تجنب "التورّط" في خلافٍ علني مع الرئيس الأميركي الذي لم تتضح بعد سياسته الخارجية التي تسلك خطاً منعرجاً يعلو أحياناً وينخفض بشكل سريع أحياناً أخرى. ولا يعرف ما إذا كان الهدف من هذه الضربة الموجعة للنظام السوري تحسين صورة ترامب لدى الأميركيين وتعزيز شعبيته التي تراجعت بسرعة، بعد خسارة قاسية خلال مناسبتين متتاليتين، أو أن هدف الضربة توجيه رسالة إلى الروس، مفادها أن استمرار التنسيق أصبح مشروطاً بالضغط على الأسد، والحد من حريته في الحركة وصناعة القرار.
لا يزال الرئيس التونسي يحاول ترويض الإدارة الأميركية الجديدة، عسى أن يجنب تونس حصول تغير حاد في سياسة هذه الإدارة، ما قد يترتب عنه إضرار بمصالح تونس الهشّة. وذلك في حال أن اختارت واشنطن ممارسة ضغط ما لا تستطيع أن تتحمله التوازنات الداخلية لهذا البلد الذي يمر بمرحلة انتقالية صعبة.
كما أن الدبلوماسية التونسية لا تستطيع أن تعالج الملف السوري على حساب علاقاتها التقليدية مع أصدقائها، ومن بينهم الأوروبيون، وكذلك معظم الدول العربية، مثل دول الخليج. ولهذا السبب، يشعر السبسي بأنه يتحرّك فوق حقل ألغام قابلة للانفجار في كل لحظة وساعة، في حين أن تونس محتاجة للجميع، وهي تحاول، في الملف السوري، أن تتقدم نحو الأمام من دون أن تخسر أي طرف، ومن دون أن تتورّط في أي خطأ قد يدفعها إلى أن تتراجع إلى الخلف، أو أن يشكّ الجميع في مصداقيتها.
على الصعيد الداخلي، ازدادت ضغوط الأحزاب على الحكومة، من أجل إصدار بيان تضامني مع الشعب السوري الشقيق، تندّد فيه بوضوح بالهجوم الأميركي، واعتباره عملية خطيرة تتعارض مع الجهود الدولية الجارية حالياً من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
مرة أخرى، تجد السلطة نفسها بين فكّي كماشة، وهو ما يجعلها تفضل الصمت وغلق النوافذ، في انتظار أن تتوقف العاصفة، وتتوفر ظروفٌ أفضل لاستكمال السير، فالزمن كفيل وحده بتغيير اتجاهات الريح. وهذه أيضا تعتبر جزءاً من الدبلوماسية الحذرة.