اليمن ونهضة الأمة

اليمن ونهضة الأمة

08 مارس 2017
+ الخط -
الإنسان هو المخلوق الذي أنعم الله عليه بملكة التفكير، ومع ذلك، لا يستخدم معظم الناس هذه الملكة المهمة كما يجب، حتى أنّ بعض الناس يكاد لا يتفكّر أبداً، فأصيب عقله بالكسل، وتحوّل، من حيث يعلم، أو لا يعلم، لتابع، يسير خلف أفكار غيره، يسير مع التيار وتحرّكه الأمواج، ويرقص على النغم السائد والصوت العالي، مزعج للآخرين ومستفز لهم.
العدمية التي جعلت من بعضنا أداة قتل واتهام وانتهاك وشيطنة بعضنا بالتلاعب بمفاهيم الأخلاق والدين والقيم والمبادئ، ليبرّر أطماعاً سياسية تسلطية، وأهدافاً أنانية ضيقة، عبر مشاريع صغيرة وأنانية تطفو على المشروع الوطني والإنساني وتقيّده وتشوّهه، إنّها مشكلتنا الأزلية التي تعوق تحوّلاتنا ومسيرتنا الوطنية والتغيير والنهضة التي تنتج لنا صور مكرّرة لذات العفن والاستبداد والإقصاء.
منذ فجر الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) ونحن لم نحقّق شيئاً مأمولاً، ولازال الطموح معاقاً، وكلّ مشاريعنا الوطنية مؤجلة، والمشاريع الصغيرة هي التي تتفوّق، ولها رجالها من المطبّلين والمزمرين، تصنع لها زعامات وأحزاباً ونفوذاً وجاهاً وآلة إعلامية تزوّر الحقائق وتجمّل القبح، وذلك كله على حساب المشروع الوطني المتهم دائماً بحسب المرحلة والحامل والظرف، تارة ماركسي وتارة إرهابي داعشي وتكفيري وتارة طائفي ومناطقي. وهكذا تتوالد المشاريع الصغيرة بحضانة الأنانية المفرطة وغذاؤها الصراع على السلطة والفكر، على حساب آمال وطموحات الناس .
يريد بعضهم واقعاً يلبّي قناعاته، لا علاقة له بالآخر، فيبرز السؤال: ما هو الوطن الذي نريد؟ كان شمالاً أو جنوباً أو اتحادياً (تلك إرادة الجماهير في وضع صحي وسوي)، من دون أن نعود إلى مآسي الماضي، للاستبداد، للإقصاء، للاستحواذ، للفكر والرأي التسلّطي الأوحد، لتجاوز الصراعات تلو الصراعات، للخروج من دائرة الاتهام والإقصاء والتهجير والنفي لبعضنا، يجب أن نبحث عن وطنٍ يستوعب الجميع ولغة مشتركة ليتوافق فيها الجميع ونظام وقانون يحكم وينظم العلاقات بين الجميع، ويخضع له الجميع، من دون تمايز وتسلّط وهيمنة واستبداد.
لنتذكر، فالذكرى تنفع المؤمنين، كم مرّة أقصينا بعض ونفينا وهجرنا بعضنا على خلاف فكري أيديولوجي في الجنوب (لحماية مرحلة الثورة الوطنية)، وخلاف سياسي سلطوي في الشمال (لحماية سلطة الفرد والمركز والسلالة)، ثم الوحدة اليمنية التي أفرغها من محتواها، والطامة الكبرى في المشروع الطائفي السلالي الذي حكم قبضته على الجميع، حتى ضاقت حلقته، ليقصي الجميع لمشروع أسري وراثي إمامي عفن، اليوم نحن نعاني الأمرّين منه .
بدأت حلقات هذا المشروع تلتف حول عنق المشروع الوطني، مستثمرا التناقضات ومغذيها، ويزيد من حدّة التنافر ويقطع حبل الوصال والتقارب، كان هناك حواراً بدأ في صنعاء بعد الوحدة بين فرقاء الحزب الاشتراكي اليمني، وكاد التقارب أن يضفي للحمة الرفاق، لولا تدخل النفاق، وفي حضرة عدد من القيادات، طلب من عبد القادر باجمال ومن معه الانسحاب لينضموا للمؤتمر الشعبي العام، بقولهم ليتم التغيير والنضال الوطني من خلاله.
مشروعنا الوطني هو أن لا نكرّر مآسينا وآلامنا وأوجاعنا، قضيتنا ليست انتصار فئة على أخرى، أو فكر على آخر، قضيتنا هي انتصار وطن، لن ينتصر وفيه ظلم ومظلومون وقهر ومقهورون وتعسّف منفيون، لن ينتصر وشبح الماضي يعكر صفو الحاضر، لن ينتصّر وهناك من يريد أن ينتصر لذاته ومشروعه، لا للقضية وللأمة والوطن والشعب.
لا تحدثني عن إرادة شعب من دون حرية، لا تحدثني عن تعبير للرأي والحشد من دون مساحة حرية متكافئة لكلّ الأطراف، كلّ يعبّر عن رأيه ومكوّناته بحرية مطلقة من دون قيد أو شرط، وتجد من يدافع عن حرية الآخرين، قبل حريته، هناك فرق بين إرادة شعب وفرض أمر واقع على شعب.
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
أحمد ناصر حميدان (اليمن)
أحمد ناصر حميدان (اليمن)