خرافات "رياضية" مصرية

خرافات "رياضية" مصرية

08 مارس 2017

هل أصاب عصام الحضري "سحر" إفريقي؟ (5/2/2017/فرانس برس)

+ الخط -
إذا كانت الخرافات والتصورات غير المنطقية والهلاوس تسود مناحي حياتنا نحن العرب، فما الذي يمنع من انتشارها حتى تصل أيضا إلى مجال الرياضة؟ تحليل بسيط لما كان يتم تداوله في الساحة الرياضية والإعلامية والسياسية يكشف أن النكبة الفكرية لا تتعلق بمجال السياسة فحسب، بل هي صفة أصيلة في طريقة تفكيرنا. تتجلى تلك الظاهرة بوضوح في أثناء أجواء مباريات منتخبات كرة القدم العربية، خصوصا خلال البطولات التي تخوضها على مستوى القارة، وكانت بطولة كأس الأمم الأفريقية، أخيرا، تجسيدا للأفكار التي تظهر دوريا في كل مواسم البطولة. 

أولى هذه الخرافات ما يفعله اللاعبون والمدربون على سبيل التفاؤل، في مقابل أشياء أخرى يتجنبونها للابتعاد عن "النحس"، فنجد مثلا تقليد "ذبح العجول" الذي تقوم به الفرق المصرية بهدف "فك النحس"، إلى درجة أن أحد لاعبي النادي الأهلي ذبح عجلا، أملا في أن يتعافى من إصابته! بالإضافة إلى تقاليد يمارسها معظم الرياضيين المصريين، فعلى سبيل المثال يشتهر عن المدير الفني الأسبق للمنتخب المصري، حسن شحاتة، اعتقاده الشديد بموضوع التشاؤم والتفاؤل، وحرصه على الحديث مع أشخاص بعينهم قبل المباريات، لأنه يتفاءل بهم. وقبل مباراة المنتخب المصري مع نظيره المغربي، كثر الحديث عن ما تسمى "العقدة المغربية"، وعن "النحس" المصري في مباريات المنتخب مع نظيره المغربي، وكأن الهزيمة قدر محتوم.
أما أبرز تلك الخرافات فهي الاعتقاد الجازم الواثق بتأثير "السحر" على أداء اللاعبين، وهو اعتقاد وصل إلى اليقين، بعدما اتهم رئيس نادي الزمالك لاعبي الفرق المنافسة بأنهم يقومون بتحضير "أعمال" سحر، ليتمكنوا من اللعب جيدا، وظهر أحد أعضاء الجهاز الفني للزمالك، وهو "يرشّ" أحد السوائل على لاعبي الفريق، لحمايتهم من السحر، كما اتهم رئيس النادي
الحارس، عصام الحضري، بأنه يستعين بـ"عفريت" وهو السر وراء تألقه في المباريات! حتى إن لاعبي المنتخب المصري هتفوا باسم "العفريت"، بعد فوزهم في إحدى المباريات، وتألق الحضري في هذه المباراة! وقد تسبب الإعلام المصري، كالعادة، في أزمة مع الشعب المغربي الشقيق، قبل مباراة مصر والمغرب في بطولة الأمم الأفريقية، عندما اتهم موقع اليوم السابع لاعبي المنتخب المغربي بممارسة السحر الأسود والشعوذة، كما اتهم الشعب المغربي كله بما سماه "تسخير الجان"، وأن السحر ينتشر في كل منزل، وتمارسه كل الفئات والأعمار، والأغرب أن محرّر التقرير الذي تم حذفه بعد ذلك كان يتساءل عمّا إذا كان "عفريت الحضري" سينتصر على السحر المغربي، أي أن محرّر التقرير الذي كان يلوم المغاربة على الاستعانة بالسحر كان، في الوقت نفسه، يتوسل إلى "العفريت" المصري، لكي يفعل شيئا في المباراة!
خرافة أخرى لكنها تبدو معاكسةً تماما للخرافة السابقة، وهي متعلقةٌ باستخدام الديباجات الدينية في الرياضة، مثل تلاوة آيات قرآنية ضد الفريق المنافس الذي قد يكون مسلما أيضا، مثل قراءة الآية الكريمة "وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا، فأغشيناهم، فهم لا يبصرون"، عندما تأتي الكرة للاعبي الفريق المنافس. وكذلك الاعتقاد في "حتمية النصر الإلهي"، وقد نشرت وسائل الإعلام المصري "رؤيا" رآها والد أحد اللاعبين في منامه، مفادها بأن المنتخب المصري سيفوز بالبطولة، وأن نجله سيحرز هدف الفوز. كما كتب أحد رجال الأعمال المشهورين أن مصر لابد أنها ستنتصر على منتخب الكاميرون، في نهائي بطولة الأمم الأفريقية، لأن "الشعب المصري يستحق الفرحة"، وأن الله عز وجل يريد الفرحة للمصريين، وكأن الشعب الكاميروني، مثلا، لا يستحق الفرحة هو الآخر، أو كأنه ليس في مزاجٍ يسمح له بالفرحة، وكأن الدول المتقدمة والشعوب السعيدة ليس من حقها، هي الأخرى، أن تحلم بتفوق منتخباتها في المسابقات الكروية وتحقيق البطولات.
للأسف، بعد كل هذه الوعود بالنصر الإلهي والتمكين، لم ينتصر المنتخب المصري، وخسر النهائي أمام الكاميرون، لتظهر مجموعة أخرى من الخرافات التي تبرّر الهزيمة، وهي تشترك جميعها في لوم عوامل خارجية، واتهامها بأنها السبب في الهزيمة (نظرية المؤامرة)، وهي أسباب يتم تكرارها عقب كل إخفاق، من قبيل الحديث عن أرضية الملعب السيئة، والإرهاق الذي أصاب اللاعبين، ومحاباة اللجنة المنظمة للفريق المنافس بالسماح له بالراحة أياما أكثر، كما أرجع بعضهم الهزيمة إلى "نحس" مدرب المنتخب المصري، هكتور كوبر، المعروف عنه خسارة عديد من مباريات النهائي. وهناك من اتهم حكم المباراة باحتساب هدف غير مستحق للكاميرون، وأنه عقد اتفاقا مع رئيس الاتحاد الأفريقي، عيسى حياتو، لمحاباة الكاميرون في المباراة، لأن حياتو كاميروني، ويهمه أن ينتصر منتخب بلاده، وكأنه لم يكن رئيسا للاتحاد الأفريقي منذ سنوات طويلة شهدت تتويج مصر بالبطولة أربع مرات، من بينها بطولة حققتها على حساب الفريق الكاميروني نفسه.
كما عاد الحديث عن السحر، إذ أكدت سيدة، في اتصال تليفوني على فضائية مصرية، أنها
تمتلك "ملكات" خارقة للعادة، حصلت عليها وهي صغيرة، وأرجعت خسارة المنتخب المصري إلى أن عصام الحضري "انسحبت عيناه، وانسلبت إرادته من دون مقاومة منه، ونزلت غيمة سوداء على كل اللاعبين"، وذلك كله بسبب "سحرٍ"، قام به سحرة أفارقة قبل المباراة.
ومن الخرافات عزف سيمفونية المظلومية والاضطهاد والمؤامرة الكونية، عبر الحديث عن مخالفاتٍ شابت المباراة، بالإضافة إلى نشر أخبار وهمية عن ضرورة إعادة المباراة، بسبب مخالفاتٍ ارتكبها الفريق المنافس، وقد بشر أحد الأذرع الإعلامية المصريين بإعادة مباراة الكاميرون، لأن أحد لاعبي الفريق لعب المباراة، وهو حاصل على إنذارين، وبالطبع لم ولن يحدث ذلك، لأنه غير حقيقي، وكذب معتاد من الأذرع الإعلامية التي أوهمت المصريين، قبل ذلك، في أثناء تصفيات كأس العالم عام 2002، بأن مباراة مصر مع الجزائر ستتم إعادتها بسبب ادعاءاتٍ بتعرّض المنتخب المصري لمضايقات واعتداءات من الجمهور الجزائري. كما أوهمت الأذرع نفسها المصريين عام 2009 بإعادة مباراة مصر مع الجزائر أيضا بسبب ادعاءات أن الجزائريين اعتدوا على الجمهور المصري، وكلنا يذكر كيف تسبب الإعلام المصري في أزمةٍ كبيرةٍ بين البلدين، بسبب بذاءاته ضد الشعب الجزائري، وخرج رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، ليتوعد بكشف "الأدلة" التي تثبت أحقية بلاده بإعادة المباراة، وخرج مذيع رياضي مصري شهير مازال يعمل في تجهيل الشعب المصري، ليبشر المصريين بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم يعقد اجتماعات "سرية" لدراسة ضم مصر وإيرلندا إلى كأس العالم 2010، على الرغم من خسارتهما في التصفيات، زاعما أن ذلك سيكون مراعاة للظلم الذي تعرّض له المنتخبان في التصفيات، وبسبب مستواهما الرائع! وكالعادة، لم يحدث شيء، بل تم توقيع عقوبات على مصر، بسبب الاعتداء الذي تعرّض له المنتخب الجزائري في القاهرة، وثبت بعد ذلك أنه مدبر من رئيس الاتحاد المصري نفسه.
على الجانب الآخر، هناك من معارضي النظام من اعتقد بخرافاتٍ معاكسة، من قبيل أن الله لن ينصر المنتخب المصري، لأن عبد الفتاح السيسي يساند المنتخب، متناسين أنه، وفقا لهذا المعيار، فإن حسني مبارك سيكون أحد أولياء الله الصالحين، لأن مصر فازت بالبطولة أربع مرات في عهده.
هل هذه خرافات رياضية فقط، بالتأكيد لا، فالنظر إليها وتحليلها يمكننا من اكتشاف أنها خرافات يصلح تطبيقها في كل المجالات، وأنها ليست "رياضية" فقط.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.