أجل، لستُ من هذي البلاد

أجل، لستُ من هذي البلاد

07 مارس 2017
+ الخط -
لا أريد أن أكتب قطعةً جميلةً أو مقالةً ملفتةً أو كلاماً ذكياً، أريد فقط أن أنتقم ممّا جرى لي الأسبوع الماضي، فنغّص عيشي، وأربك عملي، وأوجع جيبي، وأرهق أعصابي خلال 48 ساعة. وبما أنني من فئة "الصعاليك" الذين لا تُحتسب ردودُ أفعالهم، إذا غضبوا أو أحبوا، اعترضوا أو وافقوا، طالما أنهم ليسوا أبناء حزبٍ، أو طائفةٍ، أو عشيرةٍ، أو عائلةٍ ذات نفوذ مالي، أو سياسي، فلم يتبقَّ أمامي سوى أن أفرغ حنقي وقهري على رأس من تسبّب لي في هذا كلّه، وأعني "أوجيرو" ومن خلّفوها.
ولمن لا يعلم، "أوجيرو للاتصالات" هي "مؤسسة عامة مملوكة 100% من الدولة اللبنانية، إنها محرّك وزارة الاتصالات، وهي أيضاً العمود الفقري لشبكتي الهاتف الخلوي ولمقدّمي خدمات الداتا، وكذلك مقدّمي خدمات الإنترنت وغيرها"، بحسب موقعها الرسمي.
وبما أنني، كسواي من البشر، بتّ لا أستطيع العيش من دون إنترنت، لأسبابٍ تتعلّق بطبيعة عملي، وبحاجتي الاطلاع على ما يكتب وينشر وبشكل شبه فوريّ، وللأسباب الأخرى التي كانت وراء نشأة وسائل الاتصال الاجتماعية التي ساعدت على توفير الكثير علينا، بفضل تطبيقات من نوع فيسبوك، فايبر وواتساب ولاين ومسنجر وإيمو... إلخ، فقد حدث أن توقفت خدمة الإنترنت مساء الخميس الفائت. وحين اتصلت بمركز التبليغ عن الأعطال، قيل لي إن المركز مقفل، وما عليّ سوى معاودة الاتصال غداً صباحاً.
وهكذا كان. عاودت الاتصال صباحاً، وبعد عدة اختباراتٍ ومحاولاتٍ، استنتج الموظف أنه ينبغي لي المجيء إلى مركز أوجيرو لإعادة برمجة المودم الذي فقد برمجته، على ما يبدو، بسبب تلاعب تيار الكهرباء. قمت وغيّرت برنامج أعمالي، ثم حملت نفسي، وتوجّهت إلى ميناء الحصن، بعد أن استهلكني الوصول إلى هناك أكثر من ساعة ونصف الساعة في الزحمة الخانقة. وصلت أخيراً، وسلّمت جهاز المودم إلى الموظف الذي تفحصّه سريعاً، قبل أن يُفتي بأنه أعاد برمجته، فبات يعمل تمام التمام. أعدتُ عليه السؤال مشكّكة: أواثق أنت؟ فرمقني بنظرةٍ متململةٍ ضجرة، مفادها: ما بالك لا تفهمين ما قلته لك؟
عدت أدراجي، ترافقني الزحمة الخانقة إياها، وحين وصلتُ، وصلتُ المودم بالهاتف، ومن ثم بالتيار الكهربائي. بيد أن الوضع بقي كما كان عليه، مودم يعمل ولا إنترنت. اتصلت مجدّدا، ورحت أنتقل من موظف إلى آخر، وأنا أشرح وأعيد وأستنكر وأستجير، حتى راح صوتي يضمحلّ شيئا فشيئا، فوعدوني أن يرسلوا لي، في اليومين المقبلين، أحدا من الصيانة، فتوسّلت، ورجوت أن يكون ذلك غدا، في الصباح الباكر، وبقيت أرجو حتى صرنا في موعد الإقفال.
في صباح اليوم التالي، اتصل بي قسم الصيانة، وأعدنا الكلام نفسه، والشرح نفسه، والعمليات نفسها، إلى أن استخلص الموظف أن الجهاز معطّل، وما عليّ سوى استبداله. كنا صباح يوم الجمعة، فحثني على الذهاب إلى مركز الاتصالات في منطقتي، قبل إقفاله في الحادية عشرة، لتقديم طلب شراء مودم جديد، ثم حمله إلى أوجيرو كي يعطوني جهازا جديدا مبرمجا، بدل الانتظار أياما كي يحملوه إليّ.
اصطحبتُ جهازي القديم، وقد أوعز حدسي إليّ، إلى حيث ينبغي تقديم الطلب الذي يقتضي دفع ثمن المودم الجديد، وانطلقت مسرعةً، أحمل جهازيْن. عند وصولي، لا أدري ما الذي دفعني إلى إعطائهم القديم لتفحصّه، فأخذه الموظف، وأعاد برمجته، وطلب أن أعطيه كلمة مرور جديدة، وأن أتفحّص الصلة الجديدة عبر هاتفي...
كان المودم يعمل. موظف الأمس قام بما لا يجب، وموظف قسم الصيانة لم يكن مستعدا للانتقال على ما أظنّ، والموظف الحاضر أمامي، إذ شكوت له ما حصل معي، أجابني ممازحا: غداً يحترق هذا وتستخدمين الجديد. أما السيدة الموظفة التي رأت دهشتي وغيظي، وشعري الواقف على رأسي، فعلّقت مواسية: كأنك لست من هذي البلاد.
أجل، بالفعل، أنا لستُ من "هذي البلاد".
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"