في انتظار جنيف نهائي

في انتظار جنيف نهائي

07 مارس 2017
+ الخط -
اختتم مؤتمر جنيف السوري في وقته المحدد، وحافظت الأمم المتحدة على نهجها المعتمد في اللقاءات التي تعقد تحت رعايتها، فودعت الوفود المشاركة بمؤتمر صحافي يقوده ممثلها، ستيفان دي ميستورا الذي كان منتشياً أمام الصحافيين، وهو يلمِّح إلى ما اعتبره نجاحاً اتفقت فيه الأطراف على جدول أعمال بمضامين عريضة جداً! تبدو البنود الأربعة ذات عناوين واعدة، قبل أن تتناثر كقطع البلور الناعم إلى تفاصيل، وفق عمليةٍ يجيدها وفد النظام، ومن غير المعروف إذا كان نقاش تلك التفاصيل سيتم في الجولة المقبلة التي وعد دي ميستورا بإطلاقها قبل نهاية شهر مارس/ آذار الحالي.
تشير الموضوعات المتفق عليها، وخصوصا بند الانتقال السياسي، إلى الماراثون التفاوضي المفروض على وفد المعارضة، الذي سيعاني من التوليف مع المنصات التي أضيفت إليه، وهي تحمَّل شخصيات مثيرة للجدل، وسيجابه وفد النظام الذي يرغب في إضاعة الوقت، والغوص في التصريحات والتلويح بالإرهاب، العنوان الجذاب بالنسبة للغرب، وقبل ذلك كله فنجاح التفاوض والوصول إلى نتيجة مرضية، يتطلب وجود "منصةٍ" لا غنى عنها، وهي حد أدنى من اتفاق دولي وإقليمي يمكن أن يفضي إلى نتائج عملية.
تحولت المأساة السورية إلى ملفٍ سميك، ينظر إليه بمقاييس السوق والربح والخسارة، ويتطلب الحل ترتيباً يساير مزاج الإقليم والقوى الكبرى المؤثرة، وحل من هذا النوع لن يتم إلا بطريقة توزيع الأسهم، وهي حالةٌ تُخفي الجمر تحت الرماد، وتبقيه مضطرماً إلى حين الحاجة إليه، مثل هذا التكتيك الذي يؤجل الحل، ويحتفظ براهن شديد التداخل بأقل الأكلاف، يعقِّد الخلاص النهائي الذي يستوجب توافقات عريضة وتفاهماتٍ على تفاصيل وعوامل متباينة بين مختلف القوى المؤثرة، وعددُها، هي الأخرى، كبير جداً. ولكن سحنة دي ميستورا المتفائلة، ونشوته بالنجاح في إقحام البند السحري الذي يناقش الانتقال السياسي، تقول إن مناخاً قد يكون إيجابياً يسود في الأجواء. وقد أوحى رئيس وفد المعارضة، نصر الحريري، بذلك بقوله، في ختام مفاوضات هذه الجولة، إن اليوم الأخير كان إيجابياً، لأن مناقشة الانتقال السياسي حصلت، وبشكل معمق. لم تتضح التفاصيل العميقة التي أومأ إليها الحريري، وبواسطتها فقط نستطيع تقدير الانفراج الذي يمكن أن يكون قد حصل، ليخفي جزئياً غمام التشاؤم الذي لف بداية المفاوضات ووسطها.
الأيام المائة المعطاة لكل رئيس أميركي لتقييم عمله لم تنقضِ بعد، وعلى الرغم من تصريحات دونالد ترامب المنفلتة، وإصراره على قيادة الولايات المتحدة عبر "تويتر"، يبدو أنه سيتصرف كرئيس أميركي تقليدي، بخضوعه لمؤسسات النظام وتقاليده السياسية العريقة، مثل العداء لإيران. وهنا قد تزداد الجرعة قليلاً، وهو موقفٌ تقليديٌّ للجمهوريين الذين ينتمي إليهم ترامب. بالإضافة إلى موقف الإدارة الأميركية المتردّد من تركيا، وقد ورثت توتراً في العلاقة، لن يلبث أن يعود إلى وضعه الطبيعي، مع البلد الكبير الذي يحتضن قواعد أميركية مهمة، وعلى خط المواجهة. وعند هذه النقطة، قد يتوقف الرئيس الأميركي ليعيد تقييم علاقته بروسيا، الأمر الذي سيعيد كل شيء إلى وضعه الطبيعي.
عربياً، يظهر التموضع المصري المرتبك، حيث امتنعت مصر عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرارٍ يعاقب النظام، وهي تتقرب من إيران وروسيا، بعد أن "ضمنت خسارتها النهائية" للخليج الذي يراقب كل شيء بحذر، من دون أن يتخلى عن موقفه المتقدم عدة خطوات عن باقي المواقف.
لا يبدو الجو جوَّ تفاهم، بقدر ما هو مناخٌ حذر، تعد فيه الأطراف النقاط، وتكتفي بالمراوحة في المكان، انتظاراً لأي بادرةٍ من الأطراف الأخرى، وخصوصا أن الطرف الأميركي ما زال يبدي بروداً تجاه سورية، كما في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما. ونتائج المؤتمر، في الواقع، تعكس هذا المناخ، فهي لم تنجح ولم تفشل، فبدأ المؤتمر وانتهى، بحسب الخطط الموضوعة، وتبادلت الوفود الاتهامات، كما هو مقرّر تقليدياً، وأُقرّت خطة التفاوض، وفُرِض بند التحول السياسي الذي يمكن استخدامه بطرق متعدّدة، ومن كل الأطراف.