أبعد من السيطرة على الباب

أبعد من السيطرة على الباب

05 مارس 2017
+ الخط -
لم تكن مهمَّة تركيا العسكرية في سورية خفية المرامي والغايات، فقد أعلنت أنقرة، منذ بدء عملية درع الفرات، أنَّ وجودها مقتصر على محاربة تنظيم داعش من جهة، والحيلولة دون تمدّد حزب الاتحاد الديمقراطي الطامح إلى السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع تركيا، فإذا كانت مسألة التدخل تلك خطباً لود الرأي العام الدولي المعادي لداعش، فإن التدخل لضرب "الاتحاد الديمقراطي" وإبعاد شبحه تسعد المؤسسة العسكرية التركية والرأي العام التركي المعادي لأي مشروعٍ كرديٍّ في سورية. وفي مقابل ذلك، اعتذرت تركيا للروس فيما خص أقوال بعض مسؤوليها الذين هموا بالقول إن إحدى غايات التدخل التركي محاربة النظام، الأمر الذي يجعل من مسألة التدخل ثنائية الغايات، ولا تقبل غاياتٍ إضافية.

نجحت تركيا نسبيّاً في إفشال خطة التمدّد الكردية الرامية إلى وصل "الكانتونات" الكردية الثلاث، عبر قطعها الطريق على التقدم الذي خاضته القوات الكردية وقوات سورية الديمقراطية (قسد) باتجاه عفرين، ثالثة الأثافي في مشروع الإدارة الذاتية ثم مشروع فيدرالية شمال سورية، ذلك أن وصل الجزيرة بمدينة عين العرب (كوباني) حرّك مشعر الخطر التركي حول مصير الربط القادم بين كوباني وعفرين، ودفعها إلى اتباع سياساتٍ أكثر جذريّةً وتسارعاً.
في هذه الغضون، وفي خطوةٍ استباقية، أعلن مجلس منبج العسكري عن تسليم القرى التابعة إدارياً لمدينة منبج (إحدى أكبر مدن الشمال السوري الحدودية) إلى قوات النظام السوري، وبرعاية روسيّة، لتضمن روسيا بذلك عدم تقدّم قوات درع الفرات المشفوعة بزخم عسكري ولوجستي تركي إلى مشارف مدينة منبج، وفي البيان الذي سطَّره مجلس منبج العسكري المنضوي في قوات سورية الديمقراطية، وردت عبارة كاشفة حول غايات تسليم المناطق المحاذية مدينة الباب، والواقعة غربي منبج بأنه عمل يهدف إلى "حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة الجيش التركي ودرع الفرات"، ليرسم هذا القرار مجدّداً دوائر شكوك إضافية حول علاقة قوات سورية الديمقراطية بالنظام، ومن ورائها روسيا، لكن الشكوك سرعان ما تتلاشى حال الوقوف على سياسات ومواقف براغماتية عديدة لحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات قسد التي تتغير بسرعة، حين تشعر بالخطر التركي الجارف، والذي تعتبره خطراً وجودياً؛ وما تسليم المناطق الواقعة تحت سيطرتها إلى النظام برعاية روسية إلّا تجرعاً لسم أخف وطأة من سم التقدّم التركي.

تبدو هذه الخطوة مثيرةً، ومربكة لجهة أنها تزج العلاقة الروسية - التركية إلى اختبار جديد، فالدخول التركي كان مشروطاً بألّا تعمد تركيا والقوات السورية المعارضة الموالية لتركيا إلى أي صدام مباشر مع قوات النظام، ولعل روسيا لا تدخر كبير صبرٍ حول الرد على أي اختراق عسكري يعزّز موقع قوات درع الفرات على حساب وجود النظام السوري. وعليه، أفسحت خطوة الاتحاد الديمقراطي ومجلس منبج العسكري المجال للنظام والروس في الحلول مكانها في أكثر المناطق اضطراباً كان ضرباً من البراغماتية الصرفة، على الرغم مما سينجم عن هذه الخطوة من انتقاداتٍ حادة للاتحاد الديمقراطي وقوات سورية الديمقراطية، على اعتبار أن كل كيلومتر سيطرت عليه تلك القوات كلّف مقداراً غير قليل من التضحيات البشرية والمادية، ناهيك عن فكرة تراجع المشروع القائل بتوصيل الشمال السوري. لكن، في مقابل ذلك، يسيطر السؤال العملي على خطوة "قسد" أخيرا، إذ يكون السؤال، ما البديل عن الانسحاب وتسليم تلك المناطق لقوات النظام؟ ولن تكون إجابة مفيدة إمكانية الدخول في صراع مفتوح مع الجيش التركي وقوات درع الفرات!
في إزاء ألعاب الشطرنج التي تخوضها تركيا في مواجهة خصمها، حزب الاتحاد الديمقراطي، ما الذي يمكن توقعه من تركيا للرد على هذه الخطوة الاستباقية، وهل ستتوقف تركيا عن مهمة فصل الكانتونات الكردية الثلاث، كما فعلت في تجميد التمدّد الكردي في حالة قطع الطريق على وصل كوباني بعفرين؟ الغالب أن تركيا ستسعى إلى توطيد دورها بخصوص محاربة "داعش"، وستستخدم هذه الورقة غطاءً لتقدم قواتها في المنطقة الواقعة بين الجزيرة وكوباني، لجهة فصل هذين "الكانتونين" المتصلين حالياً، فالتماس تركيا الإذن من الأميركان بإعطائها مسافة 18 كم عرضاً بالقرب من تل أبيض سيشكّل الخطة التركية البديلة عن تقدم قواتها المتعثر باتجاه منبج، ودائماً تحت شعار محاربة داعش والاشتراك في معركة الرقة.
صفوة القول، نجحت تركيا بفتح "الباب" الذي يدخل ريحاً عاتيةً، فهل سيكون بمستطاع قوات سورية الديمقراطية إغلاقه؟ يحدث ذلك في لحظة لا يعرف فيها كل طرف من أطراف الصراع في الشمال السوري نية أميركا وإستراتيجيتها، ما يفتح نافذةً للتساؤلات وأبواباً للحيرة.