أعداء الخلافة: الجيش والصوفية والسجائر

أعداء الخلافة: الجيش والصوفية والسجائر

01 ابريل 2017
+ الخط -
في إصداره الجديد، هنأ تنظيم ولاية سيناء أنصاره ببداية نشر "نور الشريعة"، وذلك بممارسة أنشطة "الحسبة" التي تقوم بها الدولة الإسلامية المنشودة.
يُظهر الإصدار مشاهد لإحراق أجهزة تلفزيون وأطباق "ستالايت"، كما تظهر مشاهد لتوقيف سيارات تحمل السجائر ثم إحراقها، وهي المشاهد نفسها التي حدثت في العراق وسورية.
يظهر، في أحد المقاطع، أبو مصعب المصري، مشدداً أن الحسبة من "أولى أولويات ولاية سيناء"، وأنهم شدّدوا على محاربة مظاهر الشرك مثل التصوّف. وتظهر مشاهد لتحطيم قبور وتفجير أضرحة، ما يذكّرنا، مرة أخرى، بممارسات التنظيم وأشباهه في سورية، والتي شهدت مثلاً تفجير ضريح الإمام النووي في محافظة درعا.
ثم تأتي اللحظة السعيدة لإقامة الحدود، حيث يُختم الفيديو بمشاهد ذبح الشيخين، قطيفان منصور وسليمان أبو حراز، وهو الطاعن الذي بلغ نحو مائة عام، وهو من أشهر الرموز الدينية المحبوبة في قبيلته السواركة، وكذلك في أوساط سيناء كلها. ومن اللافت حرص التنظيم على إلباسهما بذلة الإعدام البرتقالية، مثل كل إصدارات التنظيم العالمية.
خلال الأشهر الماضية، كان تنظيم داعش قد مدّد أنشطته إلى مدينة العريش، وهذا منح المصريين فرصة أقرب لمشاهدة وجه المسخ.
بدأ التنظيم فوراً بقتل الأقباط، وحرق منازلهم بوحشية، ودفع مئات منهم إلى النزوح، فيما يذكرنا بما حدث في الموصل.
وفي نهاية فبراير/ شباط الماضي، اعترض مسلحون من التنظيم مرتين حافلة تقل معلمات من العريش إلى مدارس رفح، وهددوهن بالجَلد والتشويه بـ "ماء النار"، إذا لم يلتزمن بمصاحبة محرم لهن، وكذلك يرتدين الزي الإسلامي، علماً أن الزي المطلوب هو النقاب الأسود الذي يفرضه "داعش" في مناطقه، وليس الحجاب الذي كانت ترتديه بالفعل كل المعلمات.
في كل لحظة منذ مبايعته الخلافة الدموية، حرص التنظيم على تأكيد التطابق الكامل معها، بينما ما زال بيننا من ينظر لتنظيم سيناء كأنه مشكلة محلية بحتة، يمكن فصلها عن امتداداتها الإقليمية. خطوط الإمداد موصولة من ليبيا عبر البر، ومن سورية عبر البحر، ومن الحق الاعتراف أن حروب العصابات ضد هذا النوع من التنظيمات بالغة الصعوبة، وكم عانى منها أقوى جيوش العالم.
بينما أشاهد الإصدار الأخير للولاية، تذكّرت ابتهاج عديدين من "شباب الثورة" بما كان يُعرف بـ "الملثم" الذي كان يُفجر خطوط الغاز إلى إسرائيل، ثم الوقت الطويل الذي استغرقه كثيرون، خصوصاً من المنتمين لتيارات الإسلام السياسي، لتجاوز مرحلة إنكار وجود الإرهاب في سيناء أصلاً، واعتبارها مجرد تمثيلية.
وما زال بعضهم يحاول تصوير "داعش" كأنه مجرد رد فعل من السكان ضد مظالم الجيش المصري، وتصوير رجاله كأبطال يحمون المدنيين.
على الرغم من أن المسخ قد تحدث مراراً وتكراراً عن نفسه، منذ 2014 تقول إصداراتهم، بوضوح، إن هذا القتال لإقامة الدولة الإسلامية فقط، وإن الإخوان المسلمين مرتدون ومحمد مرسي طاغوت، وإنهم قتلوا قضاة لا لأنهم ظالمون، بل لأنهم يحكمون بغير الشرع، حتى محاولة مغازلة الأهالي بمظالمهم المحلية اختفت تماماً من الإصدارات، ليتم الاكتفاء بالتنظير الديني البحت للخلافة. وبالفعل، قتل التنظيم كثيرين من أهالي سيناء، ومنهم رموز قبلية، بتهم واهية، تشمل التعاون مع "جيش الردة"، وهذا التعاون لم يعد لنقل الأخبار، بل هُناك من قُتل لأنه باع خبزاً أو طعاماً لجنود الجيش، وهذا أدّى، بشكل عكسي، إلى توسع دائرة شباب القبائل الذين يطلبون من الجيش تسليحهم ومعاونته فيما يُعرف محلياً بـ "الكتيبة 103".
حين ننتقد أداء قوات الجيش في سيناء، ومظالم الأهالي المهمشين تاريخياً، وسقوط ضحايا أبرياء بأيد رسمية، فهذا ينطلق من أرضيةٍ مختلفة تماماً عن ذرة تعاطف أو مهادنة مع الإرهاب. ننطلق من أرضية رغبتنا في دولةٍ ديمقراطيةٍ فيها مواطنة وحريات ومساواة، لا دولة الحِسبة المجنونة، ومن أرضية رفضنا أسلوب الدولة في التوظيف السياسي بابتزازنا بالإرهاب للتغاضي عن أي شيء آخر، لكن هذا لا يعني إنكار وجود هذا الخطر. من يخادعون أنفسهم في ذلك يحتاجون مراجعة أسبابهم الأيدولوجية، أو عقليتهم النقدية، أو حالتهم النفسية.
يقول المسخ: أنا مسخ، فيرد عليه المُبرّرون: لا تقل ذلك، أنت جميل! أبو مصعب المصري ليس روبن هود.