أربع عشرة سنة عجفاء

أربع عشرة سنة عجفاء

29 مارس 2017
+ الخط -
"أربع عشرة سنة عجفاء واللعنة تلاحقنا، ومازلتم تزرعون في عقولنا أوهاماً خادعة، توهموننا أننا مانزال دولةً غنيةً تمتلك من الثروات ما ليس له حد، لكن الواقع يكذبكم، فقد افتقرت بلادنا نتيجة تعرّضها لأكبر عملية نهب في التاريخ على أيدي عصاباتٍ خاضعة لأجندة إقليمية ودولية، ساهم فيها سياسيون لصوص، واتسعت دورة الفساد، وكبرت إلى درجة شمولها كل قطاعات الاقتصاد والإعمار، والتهمت كل موارد البلاد، حتى بدأنا نتسول من بنوك العالم، من دون أن يشعركم ذلك بالخجل. تقولون إننا دولة ديمقراطية لها مؤسساتها، ومنظماتها، وجامعاتها، ومراكزها العلمية، وقضاؤها الذي لا يفتي بغير الحق، لكن الواقع يكشف عكس ما تدّعون، فقد سقطنا تحت سلطة الطائفة، وسطوة القبيلة، وسيطرة القرية، ونفوذ الشيوخ والأفاقين المتاجرين بالدين، وإذا كان بعضنا مايزال يقنع نفسه أننا ضحايا بريئة لأقدارٍ لا قبل لنا بمواجهتها، إلا أن واقع الحال يرغمنا على الاعتراف بأننا ضحايا لحماقاتنا ولنزواتنا ونزقنا، وسكوتنا على مضض، وأننا بسبب من هوسنا الكاذب نرفض الجهر بالحقيقة، وإذا ما سقطت أيدينا على الجرح، وكشفنا عن أدوائنا قلتم لنا أننا نشيع الهزيمة والانكسار والتشاؤم، ولا يغطي قصورنا وعجزنا عن مواجهتكم سوى كلمة "الأمل" التي تريح أعصابنا، وتخلي مسؤوليتنا، وتدربنا على أن ننام مطمئنين إلى أن الحال سوف يتغير يوماً، لأن دوام الحال من المحال.
نعرف أن بلادنا ثرية بموقعها الجغرافي، وبماضيها الذي يمتد إلى خمسة آلاف عام، لكننا لم نعد نعرف كيف نستثمر ما حبانا الله به من إمكانات، وما امتلكناه من مواهب، وقد وجدنا أن الوقوف على التل أجدى لنا وأسلم، بعدما أغرقتمونا بالمشاريع والآمال الكاذبة، والقناعة الزائفة بأن قوةً من السماء هي التي سوف تنوب عنا في إنجاز التغيير الذي نريد، وما علينا سوى الانخراط في مواكب اللطم والتطبير، ومسيرات الندب والرثاء، لكي نكفر عن خطايا أنتم ارتكبتموها، وها نحن نشعر في أعماقنا بالهزيمة، بعد أربع عشرة سنة عجفاء، ولم نعد نخشى أن يحل بنا ما هو أسوأ.
أربع عشرة سنة وأنتم تمارسون معنا الكذب بوقاحة، ونحن نستطيب ذلك، ولا نفكر أن نرد على كذبكم وخداعكم تجاهنا، تتخلون عن أراضي بلادنا، وتسمحون لقوى سوداء باحتلالها في أبشع مؤامرة مركّبة وشريرة، وبدون أن تطلقوا إطلاقة واحدة، وتقنعوننا أن حظنا الأسود هو الذي جاء بها، ولم يكن لديكم من خيار سوى الهرب، وليس من العدل محاسبة أحد، ونصدقكم، وما تلبثون أن تزفوا لنا الوعد بتحريرها، وتطلقون الفتوى في تجييش أبنائنا في عملية "التحرير" الموعود، فيما أبناؤكم يطوفون في بلاد الغرب والجوار، يصنعون تاريخهم الشخصي هناك، ونصدقكم، ولا نجد ضيراً في أن نزجّ بأبنائنا في معارك المصير، لأنها بلادهم وبلادنا، وليست بلادكم أنتم، تدعون إلى "تسوية تاريخية"، وأنتم لا تقرأون التاريخ، تتشدّقون بمقولات الإصلاح والإعمار والبناء، لكنكم تواصلون الهدم المبرمج، أما كفاكم عبثاً بالبلاد وبالعباد؟ من أية طينةٍ أنتم؟
أربع عشرة سنة عجفاء، ونحن نطلب منكم ما هو حقيقي، ما هو صلب وقاس، كي نعرف أين نقف، وأين تقف بلادنا، ننتظر أن يظهر واحدٌ منكم، واحد فقط، كما مارتن لوثر كينغ الذي قال جملته القصيرة التي أصبحت مثلاً، "أنا عندي حلم"، وحقق حلماً لقومه، باتت تتحدث عنه الأجيال، أو واحد منكم، واحد فقط، مثل ونستون تشرتشل الذي حقن شعبه بجرعةٍ من العزيمة والثقة والإصرار، بعدما كانوا شعروا أنهم خسروا كل شيء، قال لهم "ليس لدي ما أقدمه سوى الدم والكد والدموع والعرق"، أو واحد مثل ديغول، صانع مجد فرنسا الذي توارى عن المسرح السياسي، عندما خسر تأييد مواطنيه، وحتى لو كان بينكم واحد، مثل دونالد ترامب الذي بشّر الأميركيين بأن بلادهم سوف تكون أولاً!.
هكذا نحن اليوم، لم نعد نثق بكم، لم نعد نريدكم، وقد قطعنا معكم الجزء الصعب من الرحلة الطويلة، مهادنين، غاضبين، ومتمرّدين أحياناً. وعلينا أن نكمل الرحلة من دونكم، ولسوف نعبر على الجسر متجهين إلى المستقبل بعزيمةٍ وإصرار، حتى لو كان عبورنا فوق مياه هائجة، والواحد منا ليس أمامه ما يربحه، ولكن عنده الكثير قد يخسره إذا ما بقي تحت سلطتكم وسلطانكم، لقد طفح الكيل، وآن للدوائر أن تدور".
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"