عن انكسارات شباب "الإسلاميين" ومراجعاتهم

عن انكسارات شباب "الإسلاميين" ومراجعاتهم

27 مارس 2017

لمنع"الإخوان" من ميدان التحرير عشية 30 يونيو 2013 (Getty)

+ الخط -
تدفع سلسلة الضربات والهزائم التي تعرّضت لها الحركات الإسلامية طوال مرحلة ما بعد "الربيع العربي" نحو نقاشاتٍ وحواراتٍ وأسئلةٍ كثيرة في أوساط شباب هذه الحركات، فسقوط "الإخوان المسلمين" في مصر وقمعهم غير المسبوق، وانكسارات الثورة السورية، ومأزق حزب "العدالة والتنمية" التركي إقليميا ودولياً، وتقلّص نفوذ الإسلاميين في مناطق أخرى، كتونس والأردن... إلخ، وأخيراً في المغرب بعد تراجع حزب العدالة والتنمية أمام "البلوكاج" السياسي، واستجابته لضغوط "المخزن"، والقبول بإزاحة أمينه العام عبد الإله بنكيران من تشكيل الحكومة، والاستعاضة عنه برئيس المجلس الوطني للحزب، سعد الدين العثماني، مع الرضوخ لشرط ضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تحصّل على 20 مقعداً فقط في الانتخابات البرلمانية التي أجريت خريف العام الماضي، ذلك كله يثير أفكاراً وخيارات وسيناريوهات عديدة، يتداولها شباب الإسلاميين الناشطين باتجاه السياسة والعمل الحركي، وذلك بشكل يعكس موزاييكاً متنوعاً، على عكس ما هو شائع عن جمود هذه التيارات وسكونها، من المواقف التي يجب أن يتم اتخاذها تجاه هذه الأزمات والانكسارات.
فمن جهةٍ، يرى فصيل من شباب الإسلاميين أنه لا مفر من "التكيف" مع المتغيرات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة، خصوصا في ظل توحش الأنظمة السلطوية، واستقوائها بصعود اليمين المتطرّف غرباً، ما يدفع بعضهم إلى استحضار مقولاتٍ من فقه النوازل والأزمات، من أجل التعاطي، وربما التغلب ولو نفسياً، عىي انكساراتهم وتراجعاتهم، من قبيل ترديد مقولات كلاسيكية، مثل "صلح الحديبية" و"الصبر على البلاء"... إلخ. ويرى بعضهم أن "الخسارة تقدّر بقدرها"، وأن "ما لا يدرك كله لا يُترك كله"، وأنه في مواقف ومواطن معينة، يجب التراجع من أجل "درء المفاسد وجلب المصالح"، والاستعداد لجولةٍ جديدةٍ من الصراع بعد مراجعة الحسابات، وفهم المعطيات، وقراءة السيناريوهات. وذلك مثلما حدث، أخيرا، في أوساط الإسلاميين المغاربة، ومن قبلهم مع الإسلاميين التوانسة، والآن مع أحد الفصائل داخل "إخوان مصر" الذي أصدر ورقة تقييمية أخيراً (يعود إليها صاحب هذه السطور في مقال آخر)، رآها بعضهم مقدمة لمراجعاتٍ جارية، تقوم بها بعض قطاعات الجماعة داخل البلاد وخارجها.
في المقابل، يرى فصيل آخر من شباب الإسلاميين أنه لا مفرّ من المواجهة مع الأنظمة
السلطوية. وأن "التكيّف" والقبول بالسقف السياسي المنخفض لن يقنع هذه الأنظمة بقبول الإسلاميين، بل سيجعلها تزيد الضغط عليهم، وتقيّد حركتهم، وبالتالي، لا مفر من مواجهتها وتحدّيها سياسياً وإيديولوجياً. لذا، يطرح بعضهم الآن رؤىً ناقدة لمواقف القيادات الإسلامية في بلدان مختلفة، ويشتبكون فكرياً وسياسياً وفقهياً مع قراراتهم وخياراتهم. ويعتبر بعضهم أنه لا يجب القبول بما يسمونها "خطابات الانكسار" و"الاستضعاف" التي توجهها هذه القيادات، من أجل تبرير تراجعاتها وهزائمها. وفي حين لا يخلو بعض هذه الرؤى والانتقادات من نزعةٍ عاطفيةٍ تعكس شعوراً عاماً باليأس والإحباط من ضعف خيارات القيادات، فضلاً عن بؤس الواقع وتعقيداته، إلا أنها أيضا تكشف عن تيارٍ نقديٍّ صاعد ومتزايد بين شباب الإسلاميين، لديهم القدرة والوعي والجرأة على تفكيك مقولات قياداتهم، والاشتباك معها، وذلك على عكس ما هو شائع عن علاقة هؤلاء الشباب بقياداتهم، والتي كان يغلب عليها مبدأ "السمع والطاعة". ولعل من الحسنات غير المقصودة للسلطوية إيجاد هذه الحالة من الجدل والنقد الداخلي، وفتح حوار إجباري بين القيادات والقواعد يتعرّض فيه لكل القضايا التي كانت تمثل، حتى وقت قريب، "تابوهات" محظورة عن النقاش والخوض فيها.
تعكس هذه النقاشات والحوارات بين شباب الإسلاميين حالة من الفوران والتدافع الداخلي بين قواعد هذه الحركات. وعلى عكس ما قد يبدو ظاهرياً من جمود هذه القواعد وتكلسها ونمطيتها، إلا أن ما نشاهده حالياً يعكس تحولاتٍ جوهريةً تجري الآن داخل الحركات الإسلامية، وذلك بشكل يثير أسئلة عديدة حول علاقة الشباب بقياداتهم وحركاتهم، ومدى قناعتهم بخيارات هذه القيادات وقراراتها، واستعدادهم للقبول بها، وإن اختلفوا معها، ومدى قدرة الحركات على السيطرة على شبابها، إذا اختلفوا معها. ويبدو واضحاً أن مسألة التحكّم في هذه الحوارات، وتوجيهها حسب ما تريده قيادة الحركات الإسلامية، لم يعد ممكنا في ظل اتساع الفضاء العام والانفجار الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلةً فعّالةً ومهمةً في توجيه النقد لهذه القيادات وتفكيك العلاقات الهرمية داخل التنظيمات الإسلامية، بشكل أثّر على السلطة الحركية والرمزية لهذه القيادات.
وإذا كانت معظم حوارات شباب الإسلاميين تدور حول "الممكن وغير الممكن" تحقيقه في ظل الأوضاع السلطوية الراهنة، فإن ثمّة فصيلا ثالثا، وإن كان صغيراً وهامشياً، بين شباب
الإسلاميين، يبدو أنه قد قرّر التخلي عن هذه الحالة الحوارية والتدافعية، والتي يراها مضيعة للوقت وغير مجدية، ولجأ إلى خياراتٍ حدّية، إما من خلال الانزلاق باتجاه العنف والمواجهة المسلّحة مع هذه الأوضاع، أو التخلي عن النشاطية والحركية السياسية تماماً. وفي حالات محدّدة، التخلي عن التدّين، وأحياناً الدين نفسه، وذلك على نحو ما تشير إليه تقارير من انتشار "الإلحاد" في بعض أوساط الإسلاميين، خصوصا الذين يعانون أزمات نفسية وعصبية، نتيجة القمع غير المسبوق الذي تعرّضوا له، أو تعرّض له أقاربهم وأقرانهم.
وإذا كان من الصعب التعميم بين ردود أفعال شباب الإسلاميين في العالم العربي تجاه مشكلاتهم وقضاياهم ورؤيتهم للعلاقة مع أنظمتهم وبقية القوى السياسية، إلا أنه ليس صعباً على أي مراقب أن يلحظ حالة الجدل الراهنة بينهم، خصوصا في ظل تراجع دور القيادات وقدرتها على احتوائهم وإقناعهم، وهو ما قد يؤدي إلى تحولاتٍ نوعيةٍ، قد تشهدها ساحات الإسلاميين في المستقبل القريب.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".