بريطانيا والإسلام السياسي

بريطانيا والإسلام السياسي

22 مارس 2017
+ الخط -
منذ ثلاث سنوات، والحكومة البريطانية تدرس طلباً مصرياً وخليجياً، يقضي بوضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، باعتبارها جماعة دينية متطرّفة، خرجت من تحت عباءتها أغلب الحركات الجهادية، لكن البريطانيين دهاة، وحتى عندما فقدوا إمبراطوريةً لا تغرّب عنها الشمس، فإنهم احتفظوا بالخبرة التاريخية والذكاء السياسي في التعامل مع قضايا العالمين، العربي والإسلامي، ومشكلاتهما المعقدة. لهذا، عندما ازداد إلحاح الجنرال عبد الفتاح السيسي على حكومة رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، استدعى الأخير سفير بريطانيا السابق في السعودية، جون جينكيز، وكلفه بوضع تقرير عن جماعة حسن البنا.

بدأ السفير يقلب في أوراق وزارة الخارجية البريطانية، ويستمع إلى كل صاحب رأي في جماعة الإخوان المسلمين، وفروعها في العالم، ولمّا انتهى من وضع التقرير قدمه إلى حكومة بلاده التي وضعت فوقه خاتم "سرّي جداً"، ولما ألح البرلمان والإعلام البريطانيان على الحكومة لنشر التقرير، أو خلاصته على الأقل، قالت الحكومة البريطانية إنها "لم تعثر على أدلةٍ يمكن بمقتضاها تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية". لكن، في الوقت نفسه، أوصى التقرير الجماعة بمواقف "أكثر شفافية" عن صلتها بجمعياتٍ خيريةٍ، وبأئمة مساجد يروّجون التطرّف، وهو المأخذ الذي دفع رئيس الحكومة البريطانية حينها، ديفيد كاميرون، إلى القول "بحربائية البريطانيين"، إن أي صلةٍ بهذه الجماعة يمكن أن تكون مؤشراً على "تطرّف محتمل"، لكن الحكومة رفضت، في حينه، نشر التقرير كاملاً…
لم يبق هذا الملف محصوراً في دواليب الحكومة، بل انتقل إلى البرلمان البريطاني، حيث أعدت لجنة الشؤون الخارجية فيه، بقيادة كريسبين بلانيت، تقريراً وافياً من 29 صفحة، نشر الأسبوع الماضي، يوصي الحكومة بتشجيع حركات الإسلام السياسي في العالمين، العربي والإسلامي، على المشاركة السياسية، والاندماج في بناء ديمقراطيات محلية متطوّرة. وحذر التقرير من أن الجماعات التي "تتعرّض للاضطهاد تشعر بالإقصاء وتميل إلى التطرّف"، وحينما "يشعرون بأن أبواب المشاركة السياسية قد أغلقت في وجوههم، يتجهون إلى العنف، إذا لم يتمكّنوا من تغيير أوضاعهم بالوسائل السلمية". واعتبرت الحكومة البريطانية، في جوابها على تقرير البرلمان، أن "أفضل جدار لتفادي التطرّف هو دعم العملية الديمقراطية، وضمان أن يكون للأفراد صوت. وما من شك في أن جماعات الإسلام السياسي، بما في ذلك كبار زعمائها، يُناط بهم دور في غاية الأهمية لضمان حدوث ذلك سلمياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وأدرج التقرير حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة التونسية ضمن الأحزاب السياسية الإسلامية التي تتبنّى "سياسة براغماتية" تعطي الأولوية للسياسات الاجتماعية. وفي الوقت الذي أوصت اللجنة البرلمانية الحكومة البريطانية بضرورة التعامل مع تلك الأحزاب ودعمها، أكدت الحكومة، في ردّها على التقرير، أنها ملتزمة فعلاً "بتطوير الحكم الديمقراطي في العالم العربي"، وأنها "متفقة مع اللجنة حول أهمية التعامل مع الأحزاب السياسية الإسلامية التي ترفض العنف، والتي تلتزم بالديمقراطية والتسامح مع أتباع الديانات الأخرى والأقليات، وتحترم الاتفاقيات الدولية".
يشتمل التقرير على ثلاث رسائل؛ الأولى إلى الغرب، وتنصحه بتشجيع المسار الديمقراطي في العالمين، العربي والإسلامي، لأن هذا هو الطريق الوحيد لوقف التطرّف والإرهاب الصاعد من هذه المنطقة، والمتدفق في أكثر من قارة، في عالم سقطت فيه الحدود وتقلصت فيه الجغرافيا. الرسالة الثانية إلى الأنظمة العربية، ومفادها أن وسّعوا المشاركة السياسية في دولكم، وشيّدوا مؤسسات للحكم الرشيد تذوب فيها النزعات المتطرّفة، وتجد فيها كل القوى السياسية والاجتماعية نفسها أو بعضاً من مطالبها على الأقل، وإن الإقصاء والعنف والاستبداد هي الوقود المثالي للإرهاب. أما ثالث رسالة فموجهة إلى قوى الإسلام السياسي، جماعات وأحزاباً، أن انسجموا مع العصر وقيمه (وجلها لا يتعارض مع دينكم)، واقبلوا التعدّد والاختلاف، وآمنوا بالديمقراطية آلية ومضموناً للحكم، وميلوا إلى الاعتدال في الفكر، والبراغماتية في السياسة، والوسطية في الأيديولوجيا، والباقي أنتم أعرف به من سواكم.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.