الرضا من الغنيمة بالسلامة

الرضا من الغنيمة بالسلامة

22 مارس 2017

ريكس تيلرسون في بكين.. غير مكترث بمحاولات تهميشه (18/3/2017/Getty)

+ الخط -
بعد نحو شهرين على تعيينه، ظهر وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، يؤدي دوراً سياسياً تمكن ملاحظته، إذ قام الرجل بجولة في شرق آسيا، محاولاً التعامل مع واحدةٍ من أهم وأعقد القضايا التي يتوقع أن تواجهها إدارة الرئيس دونالد ترامب خلال الفترة المقبلة، وهي عقدة كوريا الشمالية. وقد جاءت جولة تيلرسون الآسيوية في خضم تقارير إعلامية، تحدثت عن تراجع دور وزارة الخارجية في عهد الرئيس ترامب، حيث طاولت عملية التهميش تجاهل دعوة تيلرسون لحضور اجتماعات الرئيس مع الضيوف والزعماء الأجانب الذين توافدوا على واشنطن "لجس نبض" الرئيس الجديد، واختبار قراءته للعالم. ثم جاء قرار البيت الأبيض تقليص ميزانية وزارة الخارجية (47 مليار دولار) بنسبة الثلث، في مقابل زيادة ميزانية وزارة الدفاع (582 مليار دولار) بمقدار 54 مليار دولار (10% تقريباً)، ليبين بوضوح أين سيكون قرار السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب. وقد ألقت الصحف بالمسؤولية عن محاولة تهميش الوزارة على صهر الرئيس وجنرالات الإدارة الذين اقتسموا، على ما يبدو، دور الخارجية فيما بينهم في ضوء اعتقادهم بعدم الحاجة لوجودها. كما تحدث الإعلام عن إنشاء ستيفن بانون كبير مستشاري الرئيس وعقله المدبر بإنشاء مجموعة المبادرة الاستراتيجية (Strategic Initiative Group)، لتقديم الاستشارات للرئيس في مجال الشؤون الخارجية.
والواقع أن التنافس بين مراكز القوى في السلطة التنفيذية على صنع القرار في السياسة الخارجية ليس طارئاً على النظام السياسي الأميركي. بل يمثل القاعدة، إذ لم تخل إدارة أميركية من هذا الصراع الذي تفاقم بعد إنشاء مجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية في العام 1947، وقد أنيطت بكليهما أدوار في السياسة الخارجية، ليغدو لدينا، فيما يسمى في الأدبيات السياسية الأميركية "المثلث الذهبي" (مجلس الأمن القومي ووزارتا الخارجية والدفاع). وقد بلغ الانقسام، في بعض الإدارات، حد تضارب الأجندات وتقويض السياسات، كما حصل في إدارة ريتشارد نيكسون الأولى، حيث بلغ الصراع بين مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر ووزير الخارجية وليم روجرز ذروته حول السياسة في الشرق الأوسط بعد حرب 1967. وانتهى الأمر بانتصار كيسنجر الذي غدا في إدارة نيكسون الثانية وزيراً للخارجية، مع احتفاظه بمنصبه الأول. ومع سقوط نيكسون في فضيحة ووترغيت، بات كيسنجر صاحب القرار الأول في السياسة الخارجية، وظل كذلك في عهد جيرالد فورد، نائب نيكسون الذي خلفه في الرئاسة.
تكرّر الأمر نفسه في إدارة الرئيس جيمي كارتر، حيث احتدم الصراع بين مستشار الأمن القومي زبغينو بريجنسكي ووزير الخارجية سايروس فانس، وتركز مرة أخرى حول السياسة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها عملية السلام بين العرب وإسرائيل، والتعامل مع الثورة الإيرانية. وفي إدارة الرئيس رونالد ريغان، تركز الخلاف بين وزارة الخارجية التي كان يقودها الجنرال ألكسندر هيغ ووزارة الدفاع التي كان يقودها المدني كاسبر واينبرغر. حاول هيغ ليس فقط الاستفراد بالقرار في السياسة الخارجية، بل أيضاً الاستفادة من خلفيته العسكرية، لفرض رؤيته على "البنتاغون"، خصوصا فيما يتعلق بقضايا الردع النووي في أوروبا، كما أُخذ على هيغ محاولته التصرف بالسلطات الرئاسية، بعد محاولة اغتيال ريغان عام 1981، مستغلاً غياب نائبه جورج بوش خارج البلاد.
واقع الأمر أنه في كل إدارة تقريباً كانت وزارة الخارجية تواجه تحدّياً متعلقاً بتداخل الاختصاصات، من جهة، وانزلاق مراكز القوى الأخرى نحو منازعتها الأمر في مجال عملها، من جهة أخرى، لكن الغريب في إدارة ترامب أن وزير الخارجية يكاد يكون غير مكترثٍ بمحاولة تهميشه. لا بل يبدو قانعاً من الغنيمة بالسلامة، بدليل أن القرار الأول الذي اتخذه عند تسلمه منصبه كان إلغاء المؤتمر الصحافي اليومي لوزارته، والذي يتم فيه تحديد السياسة الأميركية من مختلف قضايا العالم. ربما أراد تيلرسون أن يعفي نفسه من حرج الحديث عن سياسةٍ لا يشارك في صنعها، وقد لا يعرف حتى ماهيتها، لأنها تطبخ في مكان آخر غير وزارته، وهذا عامل إضافي، يجعل إدارة ترامب أكثر خطورةً مما نعتقد.
AA8F4D7D-04C2-4B96-A100-C49FC89BAEBA
مروان قبلان

كاتب وباحث سوري