عن خطة إنقاذ العراق

عن خطة إنقاذ العراق

21 مارس 2017
+ الخط -
قيل الكثير عن مؤتمر أنقرة الذي ضم قيادات سنية عراقية، بعضها معارض للعملية السياسية، وبعضها الآخر مشارك في تلك العملية، بحضور ممثلين عن دول خليجية وتركيا، غير أن ما صدر عن الاجتماع بقي شحيحاً، لا يشبع حاجة المتابعين والمحللين، غير أن المؤكد أن مؤتمراً جرى في أنقرة، وأن شخصيات عراقية سنية شاركت فيه، وأن ما تمخض عنه حتى الآن يبقى في إطار التداول المحدود، أو حتى الإشاعات.
وإذا ما صحت تسريباتٌ عن نية دول الجوار الخليجي وتركيا بدعم العملية السياسية في العراق، من خلال تقوية العرب السنة، فأول من عليه أن يرحب بالخطوة هم الشيعة العروبيون، والوطنيون المخلصون في عموم العراق، خصوصاً إن كانت النتيجة إعادة العراق، ليقف مجدداً على قدميه، وقطع دابر التدخلات الإيرانية التي جعلت من العراق ساحة للفساد المالي والإداري والأخلاقي، ناهيك عن تحوله بؤرةً لكل التنظيمات المتشدّدة التي وجدت في الظلم الذي وقع على العرب السنة 14 عاماً فرصتها لتجد لها مكاناً في ساحة العراق الملتهبة.
وبغض النظر عما قيل وسيقال عن المؤتمر، وخصوصاً من أذناب إيران الذين وجدوا في المؤتمر فرصتهم للانقضاض على خصومهم السياسيين، فإن المؤتمر يعتبر خطوة متأخرة، لكنها تبقى مطلوبة، ليس لدعم سنة العراق، كما روج بعضهم، وإنما لدعم العراق، ومحاولة سحبه من براثن إيران التي حولته إلى حديقة خلفية لكل سياساتها الإرهابية في المنطقة.
استفادت إيران من حالة الغياب العربي والإقليمي عن العراق، واستفادت أكثر من التراخي، بل قل التواطؤ إن شئت الدقة، الأميركي معها ومع سياساتها الإرهابية والتوسعية في العراق، عقب 2003.
كان الأميركان دوماً يجدون العذر لسياساتهم المحابية لإيران، وخصوصاً إبان فترة حكم الرئيس السابق، باراك أوباما، ولا يمكن القول إن إيران نجحت في بسط نفوذها في العراق والمنطقة العربية، من دون إكمال العبارة لتكون أدق، بأن ذلك ما كان ليتم، لولا التواطؤ الأميركي المكشوف والسافر والعلني.
في معارك تحرير المدن العراقية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، كانت إيران حاضرةً وبقوة، بمليشياتها، الإيرانية والعراقية، وكانت أيضاً أميركا حاضرة وبقوة في تلك المعارك، فالطائرات الأميركية كانت تقدم الدعم والإسناد لقاسم سليماني، المطلوب على قائمة الإرهاب الأميركية.

وقبل ذلك، مكّنت واشنطن لإيران في العراق، عبر غض الطرف عن كثيرٍ من أنشطتها الإرهابية في العراق، حتى وصل الأمر إلى أن تكون طهران مطبخاً للسياسات العراقية، وما كان لرئيس وزراء أن يأتي إلى منطقة بغداد الخضراء، إلا عبر بوابة طهران، بغض النظر عن نتائج أي انتخابات.
سلمت أميركا العراق على طبقٍ من ذهب لإيران، وكان انسحابها نهاية 2010 إعلاناً بتحول العراق محافظة إيرانية، فكانت سنوات رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، التي انتهت بتسليم ثلث العراق إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ليصحو العراق ومعه العالم، وقبل ذلك أميركا، على واقع خطير، استدعى معالجة مغايرة، لم يكن أوباما جاداً في تبنيها، بقدر جدّيته بالخروج من البيت الأبيض، بلا مشاكل.
العراق اليوم بحاجة إلى معالجة أخرى، تختلف عن سنوات أوباما السابقة، فالأرضية مهيأة جداً لإيجاد بديلٍ مناسبٍ للوضع الحالي، بديل يبدأ أولاً من خلال دعم العرب السنة، بما يضمن تحقيق توازن داخل المجتمع، يمكن أن يقود بعد ذلك إلى تقوية الأحزاب الوطنية، غير الطائفية، وأيضاً سحب سلاح المليشيات وانطلاق دورة اقتصادية قادرة على توفير فرص عمل للشباب العراقي.
وعلى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن يعمل بالتناغم مع أجندات دول المنطقة، وأن يدرك أن هناك فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العراق، عبر إيجاد شريك سني قوي، وإعطاء أكراد العراق ما ترتب على حكومة بغداد من حقوق، والابتعاد تدريجياً عن إيران، وبالتأكيد تقليم أظافر مليشياتها المتنفذة.
قطعاً ليست العملية سهلة، ولكن وجود قوى عربية وخليجية وتركيا داعماً مثل هذه المشاريع يمكن أن يحقق الكثير في ظرف قياسي، خصوصاً وأن إيران قد تضطر إلى الانحناء للعاصفة الأميركية، إذا ما هبت لتجنب أي ضررٍ قد يلحق بها.
لقد أدرك بعضهم، ولو متأخراً، أن العراق لا يمكن أن يستقر من دون أن تكون هناك مقاربة قادرة على استيعاب الجميع، سنة وشيعة وأكراداً، وأن العراق، بخلاف ذلك، سيكون قنبلة موقوتة يصل مدى تأثيرها إلى أبعد حتى من الجوار الجغرافي، وبالتالي، فإن الجميع مدعو اليوم إلى القبول بمقاربة أخرى، غير التي أسندتها واشنطن لطهران طوال 14 عاماً خلت.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...